الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2878 242 - حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبي أمامة هو ابن سهل بن حنيف ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد هو ابن معاذ ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قريبا منه فجاء على حمار ، فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم ، فجاء فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : إن هؤلاء نزلوا على حكمك ، قال : فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية ، قال : لقد حكمت فيهم بحكم الملك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة : تفهم من معنى الحديث ، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني ، وأبو أمامة بضم الهمزة وبالميمين اسمه أسعد بن سهل بن حنيف ، يروي عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل سعد عن محمد بن عرعرة ، وفي الاستئذان عن أبي الوليد ، وفي المغازي عن بندار ، عن غندر ، وأخرجه مسلم في المغازي ، عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي موسى وبندار ، وعن زهير بن حرب ، وأخرجه أبو داود في الأدب عن بندار به ، وعن حفص بن عمر ، وأخرجه النسائي في المناقب ، عن عمرو بن علي ، عن غندر به ، وفي السير ، وفي الفضائل عن إسماعيل بن مسعود .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه : قوله : " بنو قريظة " بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ، وبالظاء المعجمة وهم قبيلة من اليهود كانوا في قلعة فنزلوا على حكم سعد بن معاذ ، قوله : " بعث " جواب لما أي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه ، قوله : " أن تقتل المقاتلة " أي الطائفة المقاتلة منهم أي البالغون ، والذرية النساء والصبيان ، قوله : " بحكم الملك " بكسر اللام وهو الله تعالى ، وفي بعض الروايات بحكم الله تعالى ، وقال القاضي عياض : ضبط بعضهم في صحيح البخاري كسرها وفتحها ، فإن صح الفتح فالمراد به جبريل عليه الصلاة والسلام ، وتقديره بالحكم الذي جاء به الملك عن الله تعالى ، ورد هذا ابن الجوزي من وجهين : أحدهما ما نقل أن ملكا نزل من السماء في شأنهم بشيء ولو نزل بشيء اتبع وترك اجتهاد سعد ، والثاني في بعض ألفاظ الصحيح كما سيأتي في موضعه : قضيت بحكم الله ، وقال ابن التين : المعنى كله واحد على الكسر والفتح ، وقيل : في الوجه الأول نظر لأن في غير رواية البخاري قال : في حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرا .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه لزوم حكم المحكم برضى الخصمين سواء كان في أمور الحرب أو غيرها ، وهو رد على الخوارج الذين أنكروا التحكيم على علي رضي الله تعالى عنه ، وفيه أن النزول على حكم الإمام أو غيره جائز ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم فإذا حكم فلا رجوع ، ولهم أن ينقلوا من حكم رجل إلى غيره ، وفيه أن التحاكم إلى رجل معلوم الصلاح والخير لازم للمتحاكمين فكيف بيننا وبين عدونا في الدين والمال أخف مؤنة من النفس والأهل ، وفيه أمر السلطان والحاكم [ ص: 289 ] بإكرام السيد من المسلمين وإكرام أهل الفضل في مجلس السلطان الأكبر والقيام فيه لغيره من أصحابه وسادة أتباعه ، وإلزام الناس كافة بالقيام إلى سيدهم ، ولا يعارض هذا حديث معاوية : من سره أن يتمثل له الرجال فليتبوأ مقعده من النار ; لأن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى من يغضب أو يسخط أن لا يقام له ، وقال القرطبي : إنما المكروه القيام للمرء وهو جالس ، قال : وتأول بعض أصحابنا قوله : " قوموا إلى سيدكم " على أن ذلك مخصوص بسعد ، وقال بعضهم : أمرهم بالقيام لينزلوه عن الحمار لمرضه ، وفيه بعد ، وقال السهيلي : وقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لصفوان بن أمية ولعدي بن حاتم حين قدما عليه ، وقام لمولاه زيد بن حارثة ولغيره أيضا ، وكان يقوم لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها إذا دخلت عليه وتقوم له إذا قدم عليها ، وقام لجعفر ابن عمه ، وفيه جواز قول الرجل للآخر يا سيدي إذا علم منه خيرا أو فضلا ، وإنما جاءت الكراهة في تسويد الرجل الفاجر .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن للإمام إذا ظهر من قوم من أهل الحرب الذي بينه وبينهم هدنة على خيانة وغدر أن ينبذ إليهم على سواء وأن يحاربهم ; وذلك أن بني قريظة كانوا أهل موادعة من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل الخندق ، فلما كان يوم الأحزاب ظاهروا قريشا وأبا سفيان على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وراسلوهم : إنا معكم فاثبتوا مكانكم ، فأحل الله بذلك من فعلهم قتالهم ومنابذتهم على سواء ، وفيهم أنزلت : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء الآية ، فحاصرهم والمسلمون معه حتى نزلوا على حكم سعد رضي الله تعالى عنه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية