الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  319 30 - حدثنا أحمد بن أبي رجاء قال : حدثنا أبو أسامة قال : سمعت هشام بن عروة ، قال : أخبرني أبي ، عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش ، سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إني أستحاض فلا أطهر ; أفأدع الصلاة ؟ فقال : لا إن ذلك عرق ، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي وصلي .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم وكل ذلك إلى أمانتها وعادتها ; فقد يقل ذلك ويكثر على قدر أحوال النساء في أسنانهن وبلدانهن .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة :

                                                                                                                                                                                  الأول : أحمد بن أبي رجاء ، بفتح الراء وتخفيف الجيم وبالمد ، واسمه عبد الله بن أيوب الهروي ، ويكنى أحمد بأبي الوليد ، وهو حنفي النسب لا المذهب ، مات بهراة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي .

                                                                                                                                                                                  الثالث : هشام بن عروة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أبوه عروة بن الزبير بن العوام .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والإخبار بصيغة الإفراد في موضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في موضع واحد .

                                                                                                                                                                                  وفيه السماع .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن رواته ما بين هروي وكوفي ومدني .

                                                                                                                                                                                  وقد ذكرنا أكثر بقية الأشياء في باب الاستحاضة ، وفي باب غسل الدم مستقصى .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( قالت ) بيان لقولها : ( سألت ) ، ويروى : ( فقالت ) بالفاء التفسيرية .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أستحاض ) بضم الهمزة على بناء المجهول كما يقال : استحيضت ، ولم يبن هذا الفعل للفاعل ، وأصل الكلمة من الحيض ، والزوائد للمبالغة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أفأدع ) سؤال عن استمرار حكم الحائض في حالة دوام الدم وإزالته ، وهو كلام من تقرر عنده أن الحائض ممنوعة من الصلاة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( إن ذلك عرق ) ، أي : دم عرق ، وهو يسمى بالعاذل .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ولكن ) ، للاستدراك ، فإن قيل ، لا بد أن يكون بين كلامين متغايرين ، أجيب بأن معناه : لا تتركي الصلاة في كل الأوقات ، لكن اتركيها في مقدار العادة ، ولفظ قدر الأيام مشعر بأنها كانت معتادة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( دعي الصلاة ) ، أي : اتركي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، مثلا : إن كانت عادتها من كل شهر عشرة أيام من أولها أو من وسطها أو من آخرها تترك الصلاة عشرة أيام من هذا الشهر نظير ذلك . فإن قلت : من أين كانت تحفظ فاطمة عدد أيامها التي كانت تحيضها أيام الصحة ؟ قلت : لو لم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم : دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها من الشهر فائدة ، وقد جاء في رواية أبي داود وغيره في حديث أم سلمة : لتنظر عدة الليالي والأيام [ ص: 309 ] التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ، ثم لتستثفر بثوب ، ثم لتصلي . وجاء أيضا في حديث فاطمة بنت أبي حبيش ، رواه أبو داود والنسائي فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي ، فإنما ذلك عرق ) . فإن قلت : كيف كان الأمر فيمن لم تحفظ عدد أيامها ؟ قلت : هذه مسألة مشهورة في الفروع ، وهي أنها تحسب من كل شهر عشرة حيضها ، ويكون الباقي استحاضة ، واحتج الرازي لأصحابنا في شرح مختصر الطحاوي بقوله صلى الله عليه وسلم : ( قدر الأيام التي تحيضين فيها ) ، على تقدير أقل الحيض وأكثره ; لأن أقل ما يتناوله اسم الأيام ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة أيام ; لأن ما دون الثلاثة لا تسمى أياما ونقول : ثلاثة أيام إلى عشرة أيام ، ثم نقول : أحد عشر يوما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية