الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4979 28 - حدثنا محمد ، أخبرنا عبد الوهاب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا يقال له : مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس : يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو راجعته ؟ قالت : يا رسول الله تأمرني ؟ قال : إنما أنا أشفع ، قالت : لا حاجة لي فيه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " إنما أشفع " ومحمد هو ابن سلام البيكندي البخاري ، ويحتمل أن يكون محمد بن بشار أو محمد بن المثنى ، فإنهما من شيوخ البخاري ، فإن النسائي أخرجه عن محمد بن بشار وابن ماجه من حديث محمد بن مثنى ، وكلاهما رويا عن عبد الوهاب الثقفي ، وخالد هو الحذاء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لعباس " هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ووالد راوي الحديث ، قيل : هذا يدل على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف ، وكان ذلك في أواخر سنة ثمان ، ويؤيد هذا قول ابن عباس أنه شاهد ذلك ، وهو إنما قدم المدينة مع أبويه ، وهذا يرد قول من قال : إن قصة بريرة قبل الإفك ، والذي حمل هذا القائل على هذا وقوع ذكرها في حديث الإفك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ألا تعجب " محل التعجب هنا هو أن الغالب في العادة أن المحب لا يكون إلا محبوبا وبالعكس .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لو راجعته " كذا في الأصول بكسر [ ص: 269 ] التاء المثناة من فوق بعدها ضمير ، ووقع في رواية ابن ماجه : لو راجعتيه بإثبات الياء آخر الحروف بعد التاء وهي لغة ضعيفة ، قاله بعضهم .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : إن صح هذا في الرواية فهي لغة فصيحة لأنها من أفصح الخلق ، وزاد ابن ماجه في روايته : فإنه أبو ولدك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " تأمرني " ووقع في رواية الإسماعيلي بعده قال : لا ، قيل : فيه إشعار بأن صيغة الأمر لا تنحصر في لفظ افعل ، وفيه نظر لأن الأمر هو قول القائل : افعل ، وإنما معنى قولها : أتأمرني : أشيء واجب علي ، كما وقع هكذا في مرسل ابن سيرين فقالت : يا رسول الله أشيء واجب علي ؟ قال : لا .

                                                                                                                                                                                  ويستفاد منه فوائد : الأولى : استشفاع الإمام والعالم والخليفة في حوائج الرعية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء " والساعي فيه مأجور وإن لم تنقض الحاجة . الثانية : أنه لا حرج على الإمام والحاكم إذا ثبت الحق على أحد الخصمين إذا سأله الذي عليه الحق أن يسأل من الذي ثبت له تأخير حقه أو وضعه عنه . الثالثة : أن من يسأل من الأمور مما هو غير واجب عليه فعله فله رد سائله وترك قضاء حاجته ، وإن كان الشفيع سلطانا أو عالما أو شريفا ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بريرة ردها إياه فيما شفع فيه . الرابعة : أن بغض الرجل للرجل المسلم لا على وجه العداوة له ولكن لاختيار البعد عنه لسوء خلقه وخبث عشرته أو لأجل شيء يكرهه الناس جائز كما في قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس ، فإنها بغضته مع مكانته مع الدين والفضل لغير بأس لأجل دمامته وسوء خلقه حتى افتدت منه . الخامسة : أنه لا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة وحبه لها ظهر ذلك أو خفي لا إثم عليه في ذلك وإن أفرط ما لم يأت محرما ولم يغش إثما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية