الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6388 46 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه ، فقال : ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن مجززا المذكور حكم بالقيافة في زيد بن حارثة وأسامة بن زيد ، وكانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة ; لأنه كان أسود شديد السواد ، لكون أمه كانت سوداء ، وكان أبوه زيد أبيض من القطن ، فلما قال هذا القائف ما قال مع اختلاف اللون سر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ; لكونه كافا لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في النكاح ، عن يحيى بن يحيى ، وغيره ، وأخرجه أبو داود في الطلاق ، والترمذي في الولاء ، والنسائي في الطلاق .

                                                                                                                                                                                  قوله : " دخل مسرورا " أي دخل إلى حجرة عائشة حال كونه مسرورا ، أي فرحانا . قوله : " تبرق أسارير وجهه " جملة حالية ، والأسارير هي الخطوط التي تجمع في الجبهة وتنكسر ، واحدها سر وسرر ، وجمعها أسرار وأسرة ، وجمع الجمع أسارير ، وروي عن عائشة أنها [ ص: 264 ] قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تبرق أكاليل وجهه " جمع إكليل ، وهي ناحية الجبهة ، وما يتصل بها من الجبين ، وذلك إنما يوضع الإكليل هناك ، وكل ما أحاط بالشيء وتكلله من جوانبه فهو إكليل ، قاله الخطابي قوله : " ألم تري " ويروى : " ألم ترين " بالنون في آخره ، والمراد بالرؤية هنا الإخبار أو العلم . قوله : " أن مجززا " بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الزاي المكسورة ، ويحكى فتحها ، وفي آخره زاي أخرى ، وسمي بذلك لأنه كان إذا أخذ أسيرا في الجاهلية جز ناصيته وأطلقه ، وهو ابن الأعور بن جعدة المدلجي ، نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة ، وقال الذهبي : روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وذكره ابن يونس فيمن شهد فتح مصر ، وقال : لا أعلم له رواية ، وقال ابن ماكولا : إن مجززا له صحبة ، روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، قاله الطبري ، وقال الكلبي : بعثه عمر بن الخطاب في جيش إلى الحبشة فهلكوا كلهم ، وقال ابن ماكولا أيضا بعد أن ضبط مجززا كما ذكرناه ، قال ابن عيينة : محرز يعني بسكون الحاء المهملة وكسر الراء ، وفي آخره زاي . فإن قلت : هل كانت القيافة مخصوصة ببني مدلج أم لا ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : كانت القيافة فيهم ، وفي بني أسد ، والعرب تعترف لهم بذلك ، والصحيح أنها ليست خاصة بهم ; قد أخرج يزيد بن هارون في الفرائض بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب : أن عمر رضي الله تعالى عنه كان قائفا ، أورده في قصته ، وعمر قرشي ليس مدلجيا ولا أسديا ، لا أسد قريش ، ولا أسد خزيمة ، قوله : " نظر آنفا " بالمد ، ويجوز بالقصر ، أي الساعة من قولك : استأنفت ، أي ابتدأت ، ومنه قوله تعالى : ماذا قال آنفا أي في وقت يقرب منا . قوله : " إلى زيد بن حارثة " إلخ ذكر في الرواية التي بعدها : " دخل علي فرأى أسامة بن زيد وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما ، وبدت أقدامهما ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض " ، وفي رواية الكشميهني : " بعضهما لمن بعض " .

                                                                                                                                                                                  وفيه إثبات الحكم بالقافة ، وممن قال به أنس بن مالك ، وهو أصح الروايتين عن عمر رضي الله تعالى عنه ، وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وأبو ثور ، وقال الكوفيون والثوري وأبو حنيفة وأصحابه : الحكم بها باطل ; لأنها حدس ، ولا يجوز ذلك في الشريعة ، وليس في حديث الباب حجة في إثبات الحكم بها ; لأن أسامة قد كان ثبت نسبه قبل ذلك ، ولم يحتج الشارع في إثبات ذلك إلى قول أحد ، وإنما تعجب من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشيء الذي ظنه ، ولا يجب الحكم بذلك ، وترك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الإنكار عليه ; لأنه لم يتعاط بذلك إثبات ما لم يكن ثابتا ، وقد قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية