الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2102 158 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبو عاصم ، أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر ، فدخلوا في غار في جبل ، فانحطت عليهم صخرة ، قال : فقال بعضهم لبعض : ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه ، فقال أحدهم : اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران ، فكنت أخرج فأرعى ، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب ، فآتي به أبوي فيشربان ، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي ، فاحتبست ليلة فجئت ، فإذا هما نائمان ، قال : فكرهت أن أوقظهما ، والصبية يتضاغون عند رجلي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ، قال : ففرج عنهم ، وقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء ، فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار ، فسعيت فيها حتى جمعتها ، فلما قعدت بين رجليها قالت : اتق الله ، ولا تفض الخاتم إلا بحقه . فقمت وتركتها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج عنا فرجة ، قال : ففرج عنهم الثلثين ، وقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة ، فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ، ثم جاء فقال : يا عبد الله أعطني حقي ، فقلت : انطلق إلى تلك البقر وراعيها ، فإنها لك ، فقال : أتستهزئ بي ؟! قال : فقلت : ما أستهزئ بك ولكنها لك ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ، فكشف عنهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : حتى اشتريت منه بقرا ، فإنه اشترى شيئا لغيره بغير إذنه ، ثم لما جاء الأجير المذكور وأخبره الرجل بذلك فرضي وأخذه .

                                                                                                                                                                                  ويعقوب : ابن إبراهيم بن كثير الدورقي ، وأبو عاصم : الضحاك بن مخلد ، وابن جريج : هو عبد الملك بن عبد العزيز ، وموسى : ابن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في المزارعة عن إبراهيم بن المنذر عن أنس بن عياض ، وأخرجه مسلم في التوبة عن المسيبي عن أنس بن عياض ، وعن إسحاق بن منصور ، وعبد بن حميد ، كلاهما عن أبي عاصم به ، وأخرجه النسائي في الرقائق عن يوسف بن سعيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : خرج ثلاثة ، أي : ثلاثة من الناس ، وفي رواية المزارعة : بينما ثلاثة نفر يمشون ، وقوله : يمشون حال ومحله النصب ، قوله : أصابهم المطر بالفاء عطف على خرج ثلاثة ، وفي رواية المزارعة : أصابهم ، بدون الفاء ، لأنه خبر بينما ، قوله : فدخلوا في غار في رواية المزارعة ، فأووا إلى غار بقصر الهمزة ويجوز مدها ، أي : انضموا إلى الغار وجعلوه [ ص: 24 ] لهم مأوى ، قوله : في جبل ، أي : في غار كائن في جبل ، قوله : فانحطت عليهم صخرة ، أي : على باب غارهم ، وفي رواية المزارعة : فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل ، قوله : قال ، أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم - ، فقال بعضهم لبعض : ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه ، وفي رواية المزارعة : فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله تعالى فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم ، قال أحدهم ، أي أحد الثلاثة ، وهاهنا فقال بالفاء .

                                                                                                                                                                                  قوله : اللهم اعلم أن لفظ اللهم يستعمل في كلام العرب على ثلاثة أنحاء : أحدها للنداء المحض ، وهو ظاهر ، والثاني للإيذان بندرة المستثنى ، كقولك بعد كلام : اللهم إلا إذا كان كذا ، والثالث ليدل على تيقن المجيب في الجواب المقترن هو به ، كقولك لمن قال : أزيد قائم ؟ اللهم نعم ، أو اللهم لا ، كأنه يناديه تعالى مستشهدا على ما قال من الجواب ، واللهم هذا هنا من هذا القبيل .

                                                                                                                                                                                  قوله : إني كان لي أبوان شيخان كبيران ، قوله : أبوان من باب التغليب ; لأن المقصود الأب والأم ، وفي رواية المزارعة : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صبية صغار ، وكنت أرعى عليهم ، وفي رواية هذا الباب : وكنت أخرج فأرعى ، يعني كنت أخرج إلى المرعى فأرعى ، أي : إبلي ، قوله : ثم أجيء أي : من المرعى فأحلب أي : التي يحلب منها ، وفي رواية المزارعة : فإذا رحت عليهم حلبت ، قوله : فأجيء بالحلاب بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام ، وهو الإناء الذي يحلب فيه ، ويراد به هاهنا اللبن المحلوب فيه ، قوله : فآتي به أي : بالحلاب ، قوله : أبوي من باب التغليب كما ذكرنا عن قريب وأصله أبوان لي ، فلما أضيف إلى ياء المتكلم وسقطت النون وانتصب على المفعولية ، قلبت ألف التثنية ياء ، وأدغمت الياء في الياء .

                                                                                                                                                                                  قوله : فيشربان معطوف على محذوف تقديره : فأناولهما إياه فيشربان ، قوله : وأسقي الصبية بكسر الصاد جمع صبي ، وكذلك الصبوة ، والواو القياس ، والياء أكثر استعمالا ، وفي رواية المزارعة : فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني ، أي : قبل أن أسقي بني ، وأصله بنون لي ، فلما أضيف إلى ياء المتكلم وسقطت النون ، وقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصار بني بضم النون ، وأبدلت الضمة كسرة لأجل الياء ، فصار بني .

                                                                                                                                                                                  قوله : وأهلي المراد بالأهل هاهنا الأقرباء ، نحو الأخ والأخت ، حتى لا يكون عطف امرأتي على أهلي عطف الشيء على نفسه ، قوله : فاحتبست ليلة أي : تأخرت ليلة من الليالي بسبب أمر عرض لي ، وفي باب المزارعة : وإني استأخرت ذات يوم فلم آت حتى أمسيت ، قوله : استأخرت بمعنى تأخرت ، يقال : تأخر واستأخر بمعنى وليس السين فيه للطلب ، قوله : ذات يوم الإضافة فيه من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم ، أي : قطعة من زمان هذا اليوم ، أي : من صاحبة هذا الاسم ، قوله : فإذا هما نائمان كلمة إذا للمفاجأة ، وقد ذكر غير مرة أنها تضاف إلى جملة ، فقوله : "هما" مبتدأ ، و "نائمان" خبره ، وفي رواية المزارعة : فوجدتهما ناما فحلبت كما كنت أحلب .

                                                                                                                                                                                  قوله : فكرهت أن أوقظهما ، وفي رواية المزارعة : فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما وأكره أن أسقي الصبية ، قوله : والصبية يتضاغون ، أي : يصيحون ، وهو من باب التفاعل من الضغاء بالمعجمتين ، وهو الصياح بالبكاء ، ويقال : ضغا الثعلب ضغاء ، أي : صاح ، وكذلك السنور ، ويقال : ضغا يضغو ضغوا وضغاء إذا صاح وضج ، قوله : عند رجلي ، وفي رواية المزارعة : يتضاغون عند قدمي حتى طلع الفجر ، قوله : فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما ، الدأب : العادة والشأن ، وقال الفراء : أصله من دأبت ، إلا أن العرب حولت معناه إلى الشأن ، قوله : اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ، وفي رواية المزارعة : فإن كنت تعلم أني فعلته ، وليس فيه لفظة اللهم ، قوله : ابتغاء وجهك ، أي : طلبا لمرضاتك ، والمراد بالوجه الذات ، وانتصاب ابتغاء على أنه مفعول له ، أي : لأجل ابتغاء وجهك .

                                                                                                                                                                                  قوله : فافرج عنا أمر من فرج يفرج من باب نصر ينصر ، وقال ابن التين : هو بضم الراء في أكثر الأمهات ، وقال الجوهري : إنه بكسرها ، وهو دعاء في صورة الأمر ، وفي رواية المزارعة : فافرج لنا ، قوله : فرجة بضم الفاء وفتحها ، والفرجة في الحائط كالشق ، والفرجة انفراج الكروب ، وقال النحاس : الفرجة بالفتح في الأمر ، والفرجة بالضم فيما يرى من الحائط ونحوه ، قلت : الفرجة هنا بالضم قطعا على ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  قوله : ففرج عنهم ، أي : فرج بقدر ما دعاه ، وهي التي بها ترى السماء ، وفي رواية المزارعة : ففرج الله لهم فرأوا السماء ، قوله : وقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء ، وفي كتاب المزارعة : اللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء ، قوله : كأشد الكاف [ ص: 25 ] زائدة ، أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات ، قوله : فقالت لا تنال ذلك منها ، أي : قالت بنت عمه : لا تنال مرادك منها حتى تعطيها مائة دينار ، وفيه التفات ; لأن مقتضى الكلام لا تنال مني حتى تعطيني ، وفي باب المزارعة : فطلبت منها فأبت حتى أتيتها بمائة دينار ، أي : طلبت من بنت عمي فامتنعت وقالت : حتى تعطيني مائة دينار ، فجمعتها حتى أتيتها بمائة دينار التي طلبتها ، قوله : فسعيت فيها ، أي : في مائة دينار حتى جمعتها ، وفي رواية المزارعة : فبغيت حتى جمعتها ، أي : فطلبت من البغي ، وهو الطلب ، هكذا في رواية السجزي ، وفي رواية العذري والسمرقندي وابن ماهان : فبعثت حتى جمعتها ، وفي ( المطالع ) : والأول هو المعروف بالغين المعجمة والياء آخر الحروف دون الثاني ، وهو بالعين المهملة والثاء المثلثة .

                                                                                                                                                                                  قوله : فلما قعدت بين رجليها ، وفي رواية المزارعة : فلما وقعت بين رجليها ، قوله : قالت اتق الله ، وفي رواية المزارعة : قالت يا عبد الله اتق الله ، أي : خف الله ، ولا ترتكب الحرام ، قوله : ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، وفي رواية المزارعة : ولا تفتح الخاتم إلا بحقه . "ولا تفض" بفتح الضاد المعجمة وكسرها ، والخاتم بفتح التاء وكسرها ، وهو كناية عن بكارتها ، قوله : إلا بحقه ، أي : إلا بالنكاح ، أي : لا تزل البكارة إلا بحلال ، قوله : فقمت ، أي : من بين رجليها وتركتها ، يعني لم أفعل بها شيئا ، وليس في رواية المزارعة : وتركتها ، قوله : ففرج عنهم الثلثين ، أي : ففرج الله عنهم ثلثي الموضع الذي عليه الصخرة ، وليس في رواية المزارعة إلا قوله : "ففرج" ليس إلا . قوله : اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة ، وفي المزارعة : اللهم إني استأجرت أجيرا بفرق أرز ، الفرق بفتح الراء وسكونها مكيال يسع ثلاثة آصع ، وقال ابن قرقول : رويناه بالإسكان والفتح عن أكثر شيوخنا ، والفتح أكثر ، قال الباجي : وهو الصواب ، وكذا قيدناه عن أهل اللغة ، ولا يقال فرق بالإسكان ، ولكن فرق بالفتح ، وكذا حكى النحاس ، وذكر ابن دريد أنه قد قيل بالإسكان .

                                                                                                                                                                                  قوله : ذرة بضم الذال المعجمة وفتح الراء الخفيفة ، وهو حب معروف ، وأصله ذرو أو ذري ، والهاء عوض ، والأرز بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي وهو معروف ، وفيه ست لغات : أرز وأرز فتتبع الضمة الضمة ، وأرز وأرز مثل رسل ورسل ، ورز ورنز ، وهو لغة عبد القيس ، قوله : فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ ، وفي رواية المزارعة : فلما قضى عمله قال : أعطني حقي فعرضت عليه فرغب عنه ، قوله : أعطيته ، أي : أعطيت الفرق من ذرة ، وأبى ، أي امتنع .

                                                                                                                                                                                  قوله : ذاك ، أي : الأجير المذكور ، قوله : أن يأخذ كلمة أن مصدرية ، تقديره : أبى من الأخذ ، وهو معنى قوله : فرغب عنه ، أي : أعرض عنه فلم يأخذه ، قوله : فعمدت بفتح الميم ، أي : قصدت ، يقال : عمدت إليه وعمدت له أعمد عمدا ، أي : قصدت ، قوله : فزرعته ، أي : الفرق المذكور حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ، وفي رواية المزارعة : فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها . ويروى : ورعاتها بضم الراء جمع راع ، قوله : ثم جاء ، أي : الأجير المذكور ، فقال : يا عبد الله أعطني حقي ، وفي رواية المزارعة : فجاءني فقال : اتق الله .

                                                                                                                                                                                  قوله : فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك ، وفي رواية المزارعة : فقلت اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخذ ، ويروى : إلى تلك البقر ، قوله : فقال أتستهزئ بي من استهزأ بفلان إذا سخر منه ، وفي رواية المزارعة : فقال اتق الله ، ولا تستهزئ بي ، قوله : فقلت ما استهزئ بك ولكنها لك ، وفي رواية المزارعة : فقال إني لا أستهزئ بك فخذه فأخذه ، ويروى : فقلت إني ... إلى آخره ، قوله : فافرج عنا فكشف عنهم ، أي : فكشف باب المغارة ، وفي رواية المزارعة : فافرج ما بقي ففرج ، أي : ففرج الله ما بقي من باب المغارة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه الإخبار عن متقدمي الأمم وذكر أعمالهم لترغيب أمته في مثلها ، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بشيء إلا لفائدة ، وإذا كان مزاحه كذلك فما ظنك بإخباره ؟! وفيه جواز بيع الإنسان مال غيره بطريق الفضول والتصرف فيه بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك ، ولهذا عقد البخاري الترجمة ، وقال بعضهم : طريق الاستدلال به يبتنى على أن شرع من قبلنا شرع لنا ، والجمهور على خلافه ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يقص الشارع الإنكار عليه ، وهنا طريق آخر في الجواز ، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذه القصة في معرض المدح والثناء على فاعلها وأقره على ذلك ، ولو كان لا يجوز لبينه ، وقال ابن بطال : وفيه دليل على صحة قول ابن القاسم : إذا أودع رجل رجلا طعاما فباعه المودع بثمن فرضي المودع به ، فله الخيار : إن شاء أخذ الثمن الذي باعه به ، وإن شاء أخذ مثل طعامه ، ومنع أشهب ، قال : لأنه طعام بطعام فيه [ ص: 26 ] خيار ، وفيه الاستدلال لأبي ثور في قوله : إن من غصب قمحا فزرعه ، أن كل ما أخرجت الأرض من القمح فهو لصاحب الحنطة ، وقال الخطابي : استدل به أحمد على أن المستودع إذا اتجر في مال الوديعة وربح أن الربح إنما يكون لرب المال ، قال : وهذا لا يدل على ما قال ، وذلك أن صاحب الفرق إنما تبرع بفعله وتقرب به إلى الله - عز وجل - ، وقد قال : إنه اشترى بقرا ، وهو تصرف منه في أمر لم يوكله به ، فلا يستحق عليه ربحا ، والأشبه بمعناه أنه قد تصدق بهذا المال على الأجير بعد أن اتجر فيه وأنماه ، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودع : إذا اتجر بمال الوديعة والمضارب إذا خالف رب المال فربحا ، أنه ليس لصاحب المال من الربح شيء ، وعند أبي حنيفة المضارب ضامن لرأس المال والربح له ، ويتصدق به والوضيعة عليه ، وقال الشافعي : إن كان اشترى السلعة بعين المال فالبيع باطل ، وإن كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري ، وهو ضامن للمال ، وقال ابن بطال : وأما من اتجر في مال غيره فقالت طائفة : يطيب له الربح إذا رد رأس المال إلى صاحبه سواء كان غاصبا للمال أو كان وديعة عنده متعديا فيه ، هذا قول عطاء ، ومالك ، والليث ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبي يوسف ، واستحب مالك والثوري والأوزاعي تنزهه عنه ويتصدق به .

                                                                                                                                                                                  وقالت طائفة : يرد المال ويتصدق بالربح كله ، ولا يطيب له منه شيء ، هذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر .

                                                                                                                                                                                  وقالت طائفة : الربح لرب المال ، وهو ضامن لما تعدى فيه ، هذا قول ابن عمر وأبي قلابة ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وقال ابن بطال : وأصح هذه الأقوال قول من قال : إن الربح للغاصب والمتعدي ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  وفيه إثبات كرامات الأولياء والصالحين . وفيه فضل الوالدين ووجوب النفقة عليهما وعلى الأولاد والأهل ، قال الكرماني : نفقة الفروع متقدمة على الأصول فلم تركهم جائعين ؟ قلت : لعل في دينهم نفقة الأصل مقدمة ، أو كانوا يطلبون الزائد على سد الرمق ، والصياح لم يكن من الجوع ، قلت : قوله : والصياح لم يكن من الجوع ، فيه نظر لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  وفيه أنه يستحب الدعاء في حال الكرب ، والتوسل بصالح العمل إلى الله تعالى كما في الاستسقاء . وفيه فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهما من الأولاد والزوجة . وفيه فضل العفاف والانكفاف عن المحرمات بعد القدرة عليها . وفيه جواز الإجارة بالطعام . وفيه فضيلة أداء الأمانة . وفيه قبول التوبة وأن من صلح فيما بقي غفر له ، وأن من هم بسيئة فتركها ابتغاء وجهه كتب له أجرها ولمن خاف مقام ربه جنتان ، وفيه سؤال الرب جل جلاله بإنجاز وعده ، قال تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ، وقال : ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية