الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
850 - " إذا مات الإنسان؛ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية؛ أو علم ينتفع به؛ أو ولد صالح يدعو له " ؛ (خد م 3)؛ عن أبي هريرة ؛ (ض).

التالي السابق


(إذا مات الإنسان) ؛ وفي رواية: " ابن آدم" ؛ (انقطع عمله) ؛ أي: فائدة عمله؛ وتجديد ثوابه؛ يعني: لا تصل إليه فائدة شيء من عمله؛ كصلاة؛ وحج؛ (إلا من ثلاث) ؛ أي: ثلاثة أشياء؛ فإن ثوابها لا ينقطع؛ لكونه فعلا دائم الخير؛ متصل النفع؛ ولأنه لما كان السبب في اكتسابها؛ كان له ثوابها؛ (صدقة) ؛ لفظ رواية مسلم : " إلا من صدقة" ؛ وتبع المصنف في إسقاطها [ ص: 438 ] المصابيح؛ مع ثبوتها في مسلم ؛ والحميدي ؛ وجامع الأصول؛ والمشارق؛ قال الطيبي: وهو بدل من قوله: " إلا من ثلاث" ؛ وفائدة التكرير مزيد تقرير؛ واعتناء بشأنها؛ والاستثناء متصل؛ تقديره: " ينقطع ثواب أعماله من كل شيء؛ كصلاة؛ وزكاة؛ وحج؛ ولا ينقطع ثواب عمله من هذه الثلاثة" ؛ (جارية) ؛ دائمة متصلة؛ كالوقوف المرصدة؛ فيدوم ثوابها مدة دوامها؛ (أو علم ينتفع به) ؛ كتعليم وتصنيف؛ قال السبكي: والتصنيف أقوى؛ لطول بقائه على ممر الزمان؛ لكن شرط بعض شراح مسلم لدخول التصنيف فيه اشتماله على فوائد زائدة على ما في الكتب المتقدمة؛ فإن لم يشتمل إلا على نقل ما فيها؛ فهو تحبير للكاغد؛ فلا يدخل في ذلك؛ وكذا التدريس؛ فإن لم يكن في الدرس زيادة تستفاد من الشيخ؛ مزيدة على ما دونه الماضون؛ لم يدخل؛ وما أحسن ما قيل: إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة؛ بتقرير إيضاح لمشكل صورة؛ وعزو غريب النقل؛ أو حل مغفل؛ أو إشكال أبدته فكرة؛ فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد؛ ولا تتركن؛ فالترك أقبح خلة؛ قال المنذري: ونسخ العلم النافع له أجره؛ وأجر من قرأه؛ أو كتبه؛ أو عمل به؛ ما بقي خطه؛ وناسخ ما فيه إثم؛ عليه وزره؛ ووزر من عمل به؛ ما بقي خطه؛ (أو ولد صالح) ؛ أي: مسلم ؛ (يدعو له) ؛ لأنه هو السبب لوجوده؛ وصلاحه؛ وإرشاده إلى الهدى؛ وفائدة تقييده بالولد؛ مع أن دعاء غيره ينفعه؛ تحريض الولد على الدعاء للوالد؛ وقيد بالصالح؛ أي: المسلم؛ لأن الأجر لا يحصل من غيره؛ وأما الوزر؛ فلا يلحق الأب من إثم ولده؛ ثم إن هذا لا يعارضه خبر: " من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها؛ وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؛ وخبر: " أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: المرابط..." ؛ إلخ؛ وخبر: " من مات؛ يختم على عمله؛ إلا المرابط..." ؛ لأن السنة المسنونة؛ من جملة العلم المنتفع به؛ ومعنى خبر المرابط بوجه ما؛ فإن ثواب عمله الذي قدمه في حياته ينمو له إلى يوم القيامة؛ أما هذه الثلاثة؛ فأعمال تجدد بعد موته؛ لا تنقطع عنه؛ لكونه سببا لها؛ فإنه (تعالى) يثيب المكلف بكل فعل يتوقف وجوده توقفا ما على كسبه؛ سواء فيه المباشرة والسبب؛ وما يتجدد حالا فحالا؛ من منافع الوقف؛ ويصل إلى المستحقين؛ من نتائج فعل الواقف؛ واستفادة المتعلم من مآثر المتقدمين؛ وتصانيفهم؛ بتوسط إرشادهم؛ وصالحات أعمال الولد؛ تبعا لوجوده؛ الذي هو مسبب عن فعل الوالد؛ كان ذلك ثوابا لاحقا بهم؛ غير منقطع عنهم؛ وبدأ بالصدقة؛ لأن المال زينة الدنيا؛ والنفوس متعلقة بحبه؛ فإيثار الخروج عنه لله آية صدق فاعله؛ وثنى بالعلم؛ لاشتراكه معها في عموم منافعه؛ وجموم مناقبه؛ وختم بدعاء الولد؛ تنبيها على أن شرف الأعمال المتقدمة لا ينكر؛ ولأنها أرجح من الأعمال القاصرة؛ قال النووي : وفيه دليل على صحة الوقف؛ وعظم ثوابه؛ وبيان فضيلة العلم؛ والحث على الإكثار منه؛ والترغيب في توريثه بنحو تعليم؛ وتصنيف؛ وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع؛ وأن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت؛ وكذا الصدقة؛ وهو إجماع؛ وكذا قضاء الدين.

(حم خد م) ؛ في الوصايا؛ (3؛ عن أبي هريرة ) .



الخدمات العلمية