الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4793 [ ص: 216 ] 11 - باب: تزويج الصغار من الكبار

                                                                                                                                                                                                                              5081 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن يزيد ، عن عراك ، عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر ، فقال له أبو بكر : إنما أنا أخوك ، فقال : " أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال " . [فتح: 9 \ 123 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عروة بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر ، فقال له أبو بكر : إنما أنا أخوك ، فقال : "أنت أخي في دين الله وكتابه ، وهي لي حلال " .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث من أفراده ، وهو مرسل كما ترى ، وقد نبه على ذلك الحميدي والدارقطني وأبو نعيم الأصبهاني وأبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي ، وأما أبو العباس الطرقي فأخرجه في كتابه مسندا عنه ، عن عائشة رضي الله عنها .

                                                                                                                                                                                                                              واعترض الإسماعيلي فقال : ليس في تعيين الرواية ما ترجم عليه ، فأما صغر عائشة فمعلوم من غير هذا . وفي "الطبقات " من حديث : لما خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، قد كنت وعدت بها أو ذكرتها لمطعم بن عدي لابنه جبير بن مطعم فدعني حتى أسلها منهم ، ففعل .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : فطلقها جبير بن مطعم .

                                                                                                                                                                                                                              وقام الإجماع على أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 217 ] في المهد
                                                                                                                                                                                                                              ، كما حكاه ابن بطال ، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال ، وأحوالهن تختلف في ذلك على قدر خلقهن وطاقتهن ، وكانت عائشة رضي الله عنها حين تزوج بها - عليه السلام - بنت ست سنين ، وبنى بها بنت تسع سنين كما ذكره البخاري بعد هذا في إنكاح الرجل ولده الصغير .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : وفي هذا الحديث دليل على أن نهيه - عليه السلام - عن إنكاح البكر حتى تستأذن ، أنها البالغ التي لها إذن ، إذ قد أجازت السنة أن يعقد الأب النكاح على الصغيرة التي لا إذن لها .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في تزويج الأولياء غير الآباء اليتيمة الصغيرة ، فقال ابن أبي ليلى ومالك والليث والثوري والشافعي وابن الماجشون وأحمد وأبو ثور : ليس لغير الآباء تزويج اليتيمة الصغيرة ، فإن فعل فالنكاح باطل .

                                                                                                                                                                                                                              وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال : يزوج الوصي الصغيرة دون الأولياء إذا كان وصي الأب ، والجد عند الشافعي عند عدم الأب كالأب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 218 ] وقالت طائفة : إذا زوج الصغيرة غير الأب من الأولياء فلها الخيار إذا بلغت .

                                                                                                                                                                                                                              روي هذا عن عطاء والحسن وطاوس ، وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة ومحمد ، إلا أنهما جعلا الجد كالأب لا خيار في تزويجه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو يوسف : لا خيار لها في جميع الأولياء .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أحمد : لا أرى للوصي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين ، فإذا بلغت ورضيت فلا خيار لها .

                                                                                                                                                                                                                              وحجة من جعل لها الخيار إذا بلغت أنه - عليه السلام - لما أمر باستئمار اليتيمة - ولا تستأمر إلا من لها ميزة ومعرفة ، كان لها الخيار والاستئمار إذا بلغت .

                                                                                                                                                                                                                              وحجة الأول قوله : "تستأمر اليتيمة في نفسها " ولا يصلح استئمارها إلا ببلوغها ، ولا يجوز أن يكون العقد موقوفا على استئمارها بدليل امتناع الجميع من دخول النكاح في النكاح ووقوفها إلى مدة الخيار .

                                                                                                                                                                                                                              وفرق مالك بين اليتيمة واليتيم ، وأجاز للوصي تزويج اليتيم قبل البلوغ من قبل أن اليتيم لما كان قادرا على رفع العذر الذي يرفعه الولي إن كرهه بعد بلوغه جاز ; لقدرته على الخروج منه ، وليس كذلك ; لأنها لا تقدر إذا بلغت على رفع العقد ; لأن الطلاق ليس بيد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 219 ] النساء : ، فافترقا بهذه العلة ، ولأن السنة وردت في منع العقد على اليتيمة حتى تستأمر ، ولا يصح استئمارها إلا بعد البلوغ ، هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : وفي حديث عائشة من الفقه جواز خطبة الرجل لنفسه إلى ولي المخطوبة إذا علم أنه لا يرده ; لتأكد ما بينهما ، ويحتمل قول أبي بكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إنما أنا أخوك ) أن يعتقد أنه لا يحل له أن يتزوج ابنته للمؤاخاة والخلة التي كانت بينهما ، فأعلمه أن أخوة الإسلام ليست كأخوة النسب والولادة ، فقال : إنها لي حلال بوحي من الله ، كما قال إبراهيم للذي أراد أن يأخذ منه زوجته : هي أختي -يعني في الإيمان - لأنه لم يكن أحد مؤمن يومئذ غيرهما .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ويجوز أن يكون خطبها بواسطة ، يؤيده رواية ابن أبي عاصم من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عائشة رضي الله عنها أنه - عليه السلام - أرسل خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون تخطبها عليه ، فقال لها أبو بكر : وهل تصلح ؟ إنما هي ابنة أخيه ، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال : "ارجعي فقولي له : أنت أخي في الإسلام ، وابنتك تصلح لي " فأتت أبا بكر فذكرت فقال : ادع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء فأنكحه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية