الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3877 3878 3879 3880 3881 3882 3883 3884 ص: حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد بن موسى ، قال : ثنا حاتم بن إسماعيل المديني ، قال : ثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : " دخلنا على جابر بن عبد الله ، فسألته عن حجة رسول الله - عليه السلام - ، فقال : إن رسول الله - عليه السلام - مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس بالعاشرة : إن رسول الله - عليه السلام - حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - عليه السلام - ، فخرجنا حتى أتينا ذا الحليفة ، ، فصلى رسول الله - عليه السلام - في المسجد ، ثم ركب القصواء ، حتى إذا استوت به على البيداء ، [ ص: 421 ] ورسول الله - عليه السلام - بين أظهرنا ، عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، ما عمل من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد ، وأهل الناس بهذا الذي تهلون به ، لم يرد رسول الله - عليه السلام - عليهم شيئا ، ولزم رسول الله - عليه السلام - تلبيته - قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا كنا آخر طواف على المروة قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة ، فمن كان ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة ، فحل الناس وقصروا إلا النبي - عليه السلام - ومن كان معه الهدي ، فقام سراقة بن مالك ، فقال : يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ ؟ فقال : فشبك رسول الله - عليه السلام - أصابعه في الأخرى فقال : دخلت العمرة هكذا في الحج . مرتين ، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي - عليه السلام - ومن كان معه هدي" . .

                                                وقول سراقة هذا للنبي - عليه السلام - وجواب النبي - عليه السلام - إياه يحتمل أن يكون أراد به : عمرتنا هذه في أشهر الحج للأبد ، أو لعامنا هذا ؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة فيما مضى في أشهر الحج ، ، ويعدون ذلك من أفجر الفجور ، فأجابه رسول الله - عليه السلام - فقال : هي للأبد .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة وفهد ، قالا : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، عن ابن الهاد ، عن جعفر بن محمد . ... ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يذكر سؤال سراقة ولا جواب النبي - عليه السلام - إياه .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء ، عن جابر قال : "قدم رسول الله - عليه السلام - مكة لأربع خلون من ذي الحجة ، فلما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ، قال رسول الله - عليه السلام - : اجعلوها عمرة ، فلما كان يوم التروية لبوا ، فلما كان يوم النحر قدموا فطافوا بالبيت ، ولم يطوفوا بين الصفا والمروة" .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : " قدمنا مع رسول الله - عليه السلام - مكة ، صبيحة رابعة ، فأمرنا أن نحل ، فقلنا : أي حل يا رسول الله ؟ قال : الحل كله ، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل الذي تصنعون" . .

                                                [ ص: 422 ] حدثنا محمد بن حميد الرعيني ، قال : ثنا علي بن معبد ، قال : ثنا موسى بن أعين ، عن خصيف ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : "لما قدمنا مع رسول الله - عليه السلام - مكة [ في] حجة الوداع سأل الناس : بماذا أحرمتم ؟ فقال أناس : أهللنا بالحج ، وقال آخرون : قدمنا متمتعين ، وقال آخرون : أهللنا بإهلالك يا رسول الله ، فقال لهم رسول الله - عليه السلام - : من كان قدم ولم يسق هديا فليحلل ؛ فإني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي حتى أكون حلالا ، فقال سراقة بن مالك : يا رسول الله ، عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد ؟ فقال : بل للأبد" .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنا الليث ، قال : حدثني ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : "أهل رسول الله - عليه السلام - وأهللنا معه بالحج خالصا ، حتى قدمنا مكة رابعة من ذي الحجة ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة ، ، ثم أمر رسول الله - عليه السلام - من لم يكن ساق هديا أن يحل ، قال : ولم يعزم في أمر النساء ، قال جابر : فقلنا : تركنا حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس ليال أمرنا أن نحل فنأتي عرفات والمذي يقطر من مذاكيرنا ولم يحلل هو! وكان رسول الله - عليه السلام - قد ساق الهدي ، فبلغ قولنا رسول الله - عليه السلام - فقام فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر الذي بلغه من قولهم ، فقال : لقد علمتم أني أصدقكم وأتقاكم لله وأبركم ، ولولا أني سقت الهدي لحللت ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، قال جابر : سمعنا وأطعنا ، فحللنا" .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا مكي ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابرا وهو يخبر عن حجة النبي - عليه السلام - قال : " أمرنا بعد أن طفنا أن نحل ، وقال رسول الله - عليه السلام - : إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى ، فأهلوا ، فأهللنا من البطحاء" . ) .

                                                حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، أنه سمعه يحدث عن جابر بن عبد الله ، قال : " أهللنا مع رسول الله - عليه السلام -

                                                [ ص: 423 ] بذي الحليفة بالحج خالصا لا نخلطه بعمرة ، فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة ، فلما طفنا بالبيت ، وسعينا بين الصفا والمروة أمرنا رسول الله - عليه السلام - أن نجعلها عمرة وأن نحل إلى النساء ، فقلنا : ليس بيننا وبين عرفة إلا خمس ليال ، فنخرج إليها وذكر أحدنا يقطر منيا فقال رسول الله - عليه السلام - : إني لأبركم وأصدقكم ، فلولا الهدي لحللت ، فقام سراقة بن : مالك ، فقال : يا رسول الله ، متعتنا هذه لعامنا هذا [أم للأبد] ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : بل لأبد الأبد" .


                                                فكان سؤال سراقة لرسول الله - عليه السلام - المذكور في هذا الحديث إنما هو [على] المتعة ، أي أنا قد صارت حجتنا التي كنا دخلنا فيها أولا عمرة ، ثم قد أحرمنا بعد حلنا منها بحجة متمتعين بمتعتنا هذه لعامنا هذا خاصة فلا نفعل ذلك فيما بعد ، أم للأبد ؟ فنتمتع بالعمرة إلى الحج ، كما تمتعنا في عامنا هذا ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : بل للأبد . " . وليس ذلك على أن لهم فيما بعد أن يحلوا من حجة قبل عرفة ، لطوافهم بالبيت ، ولسعيهم بين الصفا والمروة ، وسنذكر عن رسول الله - عليه السلام - فيما بعد هذا من الباب ما يدل على أن ذلك الإحلال الذي كان منهم قبل عرفة خاصا لهم ليس لمن بعدهم ، ونصفه في موضعه إن شاء الله تعالى .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثمان طرق صحاح :

                                                الأول : أخرجه بعينه في باب ما كان النبي - عليه السلام - محرما في حجة الوداع بمتن مختصر .

                                                وأخرجه مسلم مطولا سقناه بكماله هناك ، وأخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه مطولا ، والنسائي مختصرا ، وفسرنا هناك أكثر ألفاظه .

                                                [ ص: 424 ] قوله : "مكث تسع سنين" يعني في المدينة ، وقد روي "أنه - عليه السلام - حج على الفور ، وكان فرض الحج سنة تسع وقيل : خمس ، والأول أصح .

                                                وأول من أقام للمسلمين الحج عتاب بن أسيد سنة ثمان ، ثم أبو بكر سنة تسع ، وحج - عليه السلام - سنة عشر ، وقد اختلفوا في حجة أبي بكر - رضي الله عنه - سنة تسع ، هل كانت حجة الإسلام بعد نزول فرضها وهو الأظهر ؛ لوقوف جميع الناس بعرفة ، ولإنذار علي - رضي الله عنه - فيها بمرأة ، وفيها ذكر النسيء وشرائع الحج ، وقيل : بل كانت على غير الفرض وعلى ما كانت عليه قبل الإسلام ، والأول أظهر .

                                                قوله : "كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - عليه السلام - " دليل على أنهم كانوا كلهم حجاجا ؛ إذ كان - عليه السلام - أحرم بالحج لائتمامهم به ، وبعيد أن يخالفوه فيما أحرم به .

                                                قوله : "فأهل التوحيد" إشارة إلى قوله : "لا شريك لك" ، ومخالفة لقول المشركين في تلبيتهم من الإشراك .

                                                قوله : "لسنا ننوي إلا الحج ولا نعرف العمرة" استدل به من كان يذهب إلى أنه - عليه السلام - كان مفردا بالحج في حجة الوداع ، وأن الإفراد أفضل ، قلنا : لا يستلزم هذا الكلام كون النبي - عليه السلام - مفردا ؛ وذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج ويعدونها من أفجر الفجور ، ففي الابتداء كان النبي - عليه السلام - محرما بحجة حين قدم مكة ثم فسخ ذلك بعمرة ، ثم أقام عليها على أنها عمرة ، وقد عزم على أن يحرم بعدها بحجة ، فكان في ذلك متمتعا ، ثم لم يطف للعمرة حتى أحرم بالحجة ، فصار قارنا بذلك . فهذا هو الوجه في التوفيق بين الروايات التي جاءت بأنه - عليه السلام - كان مفردا أو متمتعا أو قارنا ، فافهم فإنه مدرك دقيق .

                                                قوله : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" هذا القول منه - عليه السلام - كان تطييبا لأنفسهم لما رأى من توقفهم عن الإحلال إذ لم يحل هو ، لما كانوا من التأسي به حتى لا يجدوا في أنفسهم أنه يأمرهم بخلاف ما يفعله في نفسه ، [ ص: 425 ] وفيه دليل على جواز الأمرين ، وأنه لولا ما سبق من سوقه - عليه السلام - الهدي لحل معهم إلا أن السنة فيمن ساق الهدي لا يحل إلا بعد بلوغ الهدي محله وهو محرم يوم النحر ، قال القاضي : فيه دليل على أنه - عليه السلام - كان مهلا بالحج ، وقال ابن قدامة : فيه دليل على فضل التمتع .

                                                قلت : قال الطبري : إن جملة الحال له أنه لم يكن متمتعا ؛ لأنه قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ، ولا كان مفردا ؛ لأن الهدي كان معه واجبا وذلك لا يكون إلا للقارن .

                                                قوله : "وليجعلها عمرة" أي وليجعل الحجة عمرة ، وهو فسخ الحج في العمرة ، وقد قلنا : إنه كان مخصوصا بهم ، وأنه لا يجوز اليوم إلا عند ابن عباس ، وبه قال أحمد وداود الظاهري .

                                                قوله : "فقام سراقة . . . إلى آخره" قد بين الطحاوي معناه بقوله : "وقول سراقة هذا . . . إلى آخره" .

                                                واحتجت الظاهرية بقوله - عليه السلام - لسراقة : "بل لأبد" في رواية أخرى على جواز فسخ الحج في العمرة .

                                                قلنا : يحتمل أن يريد بقوله : "لأبد" الاعتمار في أشهر الحج لا فسخ الحج في العمرة ، واحتجوا على ذلك أيضا بقوله : "دخلت العمرة في الحج" أي جازت في أشهر الحج ؛ خلافا لما كانت الجاهلية تعتقده من عدم جوازها في أشهر الحج ، ويحتمل أن يكون دخولها في الحج في عمل القارن ، ويقال : معنى دخول العمرة في الحج سقوط وجوبها بوجوب الحج . والله أعلم .

                                                الثاني : عن محمد بن خزيمة وفهد بن سليمان ، كلاهما عن عبد الله بن صالح وراق الليث وشيخ البخاري ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن جابر .

                                                [ ص: 426 ] وأخرجه النسائي : أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب أنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : "أقام رسول الله - عليه السلام - تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس بالحج ، فلم يبق أحد يقدر أن يأتي راكبا أو راجلا إلا قدم ، فتدارك الناس ليخرجوا ، حتى جاء ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله - عليه السلام - فقال : اغتسلي واستثفري بثوب ، ثم أهلي ففعلت" مختصر .

                                                الثالث : عن محمد بن خزيمة أيضا ، عن حجاج بن منهال الأنماطي شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد المكي مولى نافع بن علقمة - من رجال مسلم - عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر قال : "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لأربع خلون من ذي الحجة ، فلما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، قال رسول الله - عليه السلام - : اجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي ، فلما كان يوم التروية أهلوا بالحج ، فلما كان يوم النحر قدموا فطافوا بالبيت ولم يطوفوا بين الصفا والمروة" .

                                                قوله : "اجعلوها عمرة" أي اجعلوا الحجة عمرة ، وأراد به فسخ الحج في العمرة ، وسيجيء الجواب عنه إن شاء الله تعالى .

                                                الرابع : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن إبراهيم بن بشار الرمادي أبي إسحاق البصري شيخ أبي داود والبخاري في غير الصحيح ، عن سفيان بن عيينة . . . إلى آخره .

                                                [ ص: 427 ] وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي بأسانيد مختلفة وألفاظ متباينة بزيادة ونقصان .

                                                قوله : "صبيحة رابعة" أي ليلة رابعة من ذي الحجة .

                                                قوله : "فأمرنا أن نحل" أراد به فسخ الحج في العمرة .

                                                قوله : "الحل كله" بالنصب ، أي حلوا الحل كله .

                                                الخامس : عن محمد بن حميد الرعيني ، عن علي بن معبد بن شداد ، عن موسى بن أعين الحراني الجزري ، روى له الجماعة سوى الترمذي ، عن خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، وثقه يحيى وأبو زرعة والعجلي .

                                                وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود بزيادة ونقصان .

                                                قوله : "فقال أناس . . . إلى آخره" يدل على أن الصحابة الذين حجوا مع رسول الله - عليه السلام - كانوا على ثلاثة أحوال : صنف منهم كانوا مهلين بالحج ، وصنف كانوا مهلين بالتمتع ، وصنف كانوا مهلين كإهلال النبي - عليه السلام - وكان إهلالهم مبهما ، فأمر النبي - عليه السلام - لمن لم يسق الهدي أن يفسخ الحج في العمرة ولهذا أمرهم بالإحلال ، وأما الذين ساقوا الهدي فلم يحلوا إلا يوم النحر .

                                                وبهذا الحديث استدل من يرى جواز الإحرام المبهم ، وهو الذي يعلقه بإحرام شخص ، وقد ذكرناه .

                                                [ ص: 428 ] السادس : عن فهد بن سليمان ، عن عبد الله بن صالح شيخ البخاري ، عن الليث بن سعد ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني محمد بن حاتم ، قال : نا يحيى بن سعيد القطان قال : أنا ابن جريج قال : أخبرني عطاء ، قال : سمعت جابر بن عبد الله في ناس معي قالوا : "أهللنا أصحاب محمد - عليه السلام - بالحج خالصا وحده - قال عطاء : قال جابر - : فقدم النبي - عليه السلام - صبيح رابعة مضت من ذي الحجة ، فأمرنا أن نحل - قال عطاء : قال جابر - : حلوا وأصيبوا النساء - قال عطاء : ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم - فقلنا : لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني ، قال : يقول جابر بيده كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها ، قال : فقام النبي - عليه السلام - فينا فقال : قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ، ولولا هديي لحللت كما تحلون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، فحلوا ، فحللنا وسمعنا وأطعنا" .

                                                قوله : "رابعة" أي صبيح رابعة كما هو كذلك في رواية مسلم .

                                                قوله : "ولم يعزم في أمر النساء" يعني لم يعزم في وطء النساء ، وأما في الإحلال فكأنه عزيمة ، ومعنى لم يعزم : لم يؤكد .

                                                قوله : "والمذي يقطر من مذاكيرنا" جملة حالية ، و "المذي" بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء : البلل الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء ، ولا يجب فيه الغسل ، وهو نجس يجب غسله ، وينقض الوضوء .

                                                والمذاكير : جمع ذكر على خلاف القياس .

                                                قوله : "ولم يحلل" بكسر اللام لأنه من حل يحل من باب ضرب يضرب ، وقد جاء بفك الإدغام ، وقد عرف أن هذا الباب يجوز فيه الإدغام والفك ، ويجوز في الإدغام فتح اللام الأخيرة ؛ لأنه أخف الحركات ، وكسرها لأن الساكن إذا حرك [ ص: 429 ] حرك بالكسر ، وفي نحو باب لم يمد تجوز فيه الأوجه الثلاثة مع الفك ، والضم لاتباع الميم .

                                                قوله : "وأتقاكم" أي أخشاكم .

                                                قوله : "وأبركم" أي أكثركم خيرا وبرا .

                                                السابع : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن مكي بن إبراهيم البلخي شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني محمد بن حاتم ، قال : نا يحيى بن سعيد القطان ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : "أمرنا رسول الله - عليه السلام - لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى ، قال : فأهللنا من الأبطح" .

                                                قوله : "أن نحل" بفتح أن أي بأن نحل أي أمرنا بالإحلال بعد أن طفنا بالبيت وبالصفا والمروة .

                                                قوله : "فأهللنا من البطحاء" أي فأحرمنا بالحج من بطحاء مكة .

                                                الثامن : عن محمد بن عبد الله بن ميمون ، عن الوليد بن مسلم الدمشقي ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر .

                                                وأخرجه أبو داود : نا العباس بن الوليد بن مزيد ، قال : أخبرني أبي ، قال : ثنا الأوزاعي ، قال : حدثني من سمع عطاء بن أبي رباح ، قال : حدثني جابر بن عبد الله قال : "أهللنا مع رسول الله - عليه السلام - بالحج خالصا لا يخالطه شيء ، فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة ، فطفنا وسعينا ، فأمرنا رسول الله - عليه السلام - أن نحل ، وقال : لولا الهدي لحللت ، فقام سراقة بن مالك فقال : يا رسول الله ، أرأيت متعتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : بل هي للأبد ، قال الأوزاعي : سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا فلم أحفظه حتى لقيت ابن جريج فأثبته لي" .

                                                [ ص: 430 ] وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه أيضا بأسانيد وألفاظ مختلفة .




                                                الخدمات العلمية