الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ذكر تعداد عائشة قول ابن عباس الذي ذكرناه من أعظم الفرية .

                                                                                                                          60 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن مخلد ، حدثنا أبو الربيع ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن عبد ربه بن سعيد ، أن داود بن أبي هند حدثه ، عن عامر الشعبي ، عن مسروق بن الأجدع ، أنه سمع عائشة ، تقول : أعظم الفرية على الله من قال : إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعلم [ ص: 258 ] ما في غد ، قيل : يا أم المؤمنين ، وما رآه ؟ قالت : لا ، إنما ذلك جبريل رآه مرتين في صورته : مرة ملأ الأفق ، ومرة سادا أفق السماء .

                                                                                                                          [ ص: 259 ] قال أبو حاتم : قد يتوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن هذين الخبرين متضادان ، وليسا كذلك ، إذ الله جل وعلا فضل رسوله صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء ، حتى كان جبريل من ربه أدنى من قاب قوسين ، ومحمد صلى الله عليه وسلم يعلمه جبريل حينئذ ، فرآه صلى الله عليه وسلم بقلبه كما شاء .

                                                                                                                          وخبر عائشة وتأويلها أنه لا يدركه ، تريد به في النوم ولا في اليقظة .

                                                                                                                          وقوله : لا تدركه الأبصار فإنما معناه : لا تدركه الأبصار ، يرى في القيامة ولا تدركه الأبصار إذا رأته ، لأن الإدراك هو الإحاطة ، والرؤية هي النظر ، والله يرى ولا يدرك كنهه ، لأن الإدراك يقع على المخلوقين ، والنظر يكون من العبد ربه .

                                                                                                                          وخبر عائشة أنه لا تدركه الأبصار ، فإنما معناه : لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة ، إلا من يتفضل عليه من عباده بأن [ ص: 260 ] يجعل أهلا لذلك . واسم الدنيا قد يقع على الأرضين والسماوات وما بينهما ، لأن هذه الأشياء بدايات خلقها الله جل وعلا لتكتسب فيها الطاعات للآخرة التي بعد هذه البداية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الموضع الذي لا يطلق عليه اسم الدنيا ، لأنه كان منه أدنى من قاب قوسين حتى يكون خبر عائشة ، أنه لم يره صلى الله عليه وسلم في الدنيا من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية