الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4650 [ 2471 ] وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره ، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرار - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه، وماله، وعرضه" .

                                                                                              رواه مسلم (2564) (32).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " ولا تناجشوا ") قيل فيه : إنه من باب النجش في البيع الذي تقدم [ ص: 536 ] ذكره في البيوع . وفيه بعد ، لأن صيغة (تفاعل) أصلها لا تكون إلا من اثنين ، فـ (تناجش) لا يكون من واحد ، و (النجش) يكون من واحد ، فافترقا وإن كان أصلهما واحدا ، لأن أصل النجش : الاستخراج والإثارة . تقول : نجشت الصيد ، أنجشه ، نجشا : إذا استثرته من مكانه . وقيل : " لا تناجشوا " : لا ينافر بعضكم بعضا . أي : لا يعامله من القول بما ينفره ، كما ينفر الصيد ، بل يسكنه ويؤنسه ، كما قال : " سكنا ، ولا تنفرا " وهذا أحسن من الأول ، وأولى بمساق الحديث . والله تعالى أعلم .

                                                                                              و (قوله : " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ") . (يظلمه) : ينقصه حقه ، أو يمنعه إياه . و (يخذله) : يتركه لمن يظلمه ، ولا ينصره . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " فقال : كيف أنصره ظالما ؟ قال : " تكفه عن الظلم فذلك نصره " . و (يحقره) : ينظره بعين الاستصغار والقلة . وهذا إنما يصدر في الغالب عمن غلب عليه الكبر والجهل ، وذلك : أنه لا يصح له استصغار غيره حتى ينظر إلى نفسه بعين : أنه أكبر منه وأعظم ، وذلك جهل بنفسه ، وبحال المحتقر ، فقد يكون فيه ما يقتضي عكس ما وقع للمتكبر .

                                                                                              و (قوله : " التقوى هاهنا -ويشير بيده إلى صدره - ") وقد تقدم : أن التقوى مصدر (اتقى) : تقاة ، وتقوى . وأن التاء فيه بدل من الواو ، لأنه من الوقاية . والمتقي : هو الذي يجعل بينه وبين ما يخافه من المكروه وقاية تقيه منه ، ولذلك يقال : اتقى الطعنة بدرقته وبترسه . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو [ ص: 537 ] بكلمة طيبة " أي : اجعلوا هذه الأمور وقاية بينكم وبين النار . وعلى هذا : فالمتقي شرعا هو الذي يخاف الله تعالى ، ويجعل بينه وبين عذابه وقاية من طاعته ، وحاجزا عن مخالفته . فإذا : أصل التقوى : الخوف ، والخوف إنما ينشأ عن المعرفة بجلال الله ، وعظمته ، وعظيم سلطانه ، وعقابه . والخوف والمعرفة محلهما القلب ، والقلب محله الصدر ، فلذلك أشار صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال : " التقوى هاهنا " والله تعالى أعلم .

                                                                                              والتقوى خصلة عظيمة ، وحالة شريفة آخذة بمجامع علوم الشريعة وأعمالها ، موصلة إلى خير الدنيا والآخرة . والكلام في التقوى وتفاصيلها ، وأحكامها ، وبيان ما يترتب عليها يستدعي تطويلا ، قد ذكره أرباب القلوب في كتبهم المطولة : كـ " الرعاية " ، و " الإحياء " ، و " سفينة النجاة " ، وغيرها .

                                                                                              و (قوله : " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ") الباء في (بحسب) زائدة . وهو بإسكان السين ، لا بفتحها ، وهو خبر ابتداء مقدم ، والمبتدأ : (أن يحقر) تقديره : حسب امرئ من الشر احتقاره أخاه . أي : كافيه من الشر ذلك ؟ فإنه النصيب الأكبر ، والحظ الأوفى . ويفيد : أن احتقار المسلم حرام .




                                                                                              الخدمات العلمية