الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              503 [ 261 ] وعنها ; أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتحت عبد الرحمن بن عوف ، استحيضت سبع سنين . فاستفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذه ليست بالحيضة ، ولكن هذا عرق ، فاغتسلي وصلي .

                                                                                              قالت عائشة : فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش . حتى تعلو حمرة الدم الماء
                                                                                              .

                                                                                              وفي رواية : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي ، فكانت تغتسل عند كل صلاة . رواه أحمد ( 6 \ 83 ) ، والبخاري ( 327 ) ، ومسلم ( 334 ) ، وأبو داود ( 288 - 291 ) ، والترمذي ( 129 ) ، والنسائي ( \ 181 - 182 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " إن أم حبيبة بنت جحش ") قال الدارقطني عن أبي إسحاق الحربي : الصحيح قول من قال : أم حبيب ، بلا هاء ، واسمها : حبيبة . قال الدارقطني : قول أبي إسحاق صحيح . وقال غيره : وقد روي عن عمرة عن عائشة : أن أم حبيبة . . الحديث ، وهي ختنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال فيه كثير من رواة " الموطأ " : زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف . قال أبو عمر ابن عبد البر : هكذا رواه يحيى وغيره ، لم يختلفوا في ذلك عن مالك ، وهو وهم من مالك ، فإن زينب بنت جحش هي أم المؤمنين ، لم يتزوجها قط عبد الرحمن بن عوف ، إنما تزوجها أولا زيد بن حارثة ، ثم تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والتي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف هي أم حبيبة ، كما جاء في كتاب مسلم على ما ذكرناه .

                                                                                              وقال أبو عمر : إن بنات جحش الثلاث زينب ، وأم حبيبة ، وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله ، كن يستحضن كلهن ، وقيل : إنه لم يستحض منهن إلا أم حبيبة ، وذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابه " الموعب في شرح الموطأ " مثل هذا ، وأن اسم كل واحدة منهن زينب ، ولقبت إحداهن بحمنة ، وكنيت الأخرى بأم حبيبة ، وإذا صح هذا فقد برأ الله مالكا عن الوهم .

                                                                                              [ ص: 593 ] و (قوله : " ولكن هذا عرق فاغتسلي ") قد يتمسك به من يوجب الغسل على المستحاضة من حيث أمرها بالغسل ، وعلله بكونه دم عرق ، وهذا لا حجة فيه ; لما بين في الرواية الأخرى : أن هذا الغسل إنما هو للحيضة ، فإنه قال فيها : " امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي " ، وهذا اللفظ قد يتمسك به من يقول : إنها تعتبر عادتها ، وهذا لا حجة فيه ; لأنه يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أحالها على تقدير الحيضة التي عرفت أولها بتغير الدم ، ثم تمادى بها بحيث لم تعرف إدباره ، فردها إلى اعتبار حالتها في عدد أيامها المتقدمة ، قبل أن تصيبها الاستحاضة ، وفارق حال أم حبيبة حال فاطمة بنت أبي حبيش ، بأن فاطمة كانت تعرف حيضتها بتغير الدم ، في إقباله وإدباره ، وأم حبيبة كانت تعرف إقباله لا غير ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              و (قوله : " فكانت تغتسل في مركن ") المركن : الإجانة ، وهي القصرية التي تغسل فيها الثياب ، كانت تقعد فيها فتصب عليها الماء من غيرها ، فيستنقع فيها فتعلو حمرة الدم السائل منها الماء ، ثم تخرج منها ، فتغسل ما أصاب رجليها من ذلك الماء المتغير بالدم .

                                                                                              و (قوله : " فكانت تغتسل لكل صلاة " ) قال الليث : لم يقل ابن شهاب : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة ، ولكنه شيء فعلته . وقد رواه [ ص: 594 ] ابن إسحاق عن الزهري ، وفيه : " فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل لكل صلاة " ، ولم يتابع أصحاب الزهري ابن إسحاق على هذا . وأما قول مسلم في الأصل في حديث حماد بن زيد : " حرف تركنا ذكره " . هذا الحرف هو قوله : " اغسلي عنك الدم وتوضئي " ، ذكره النسائي ، وقال : لا نعلم أحدا قال : " وتوضئي " ، في الحديث غير حماد ، يعني - والله تعالى أعلم - في حديث هشام .

                                                                                              وقد روى أبو داود وغيره ذكر الوضوء من رواية عدي بن ثابت ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأيوب بن أبي مسكين ، قال أبو داود : وكلها ضعيفة . ولم ير مالك عليها الوضوء ، وليس في حديثه ، ولكن استحبه لها في قوله الآخر إما لرواية غيره للحديث ، أو لتدخل الصلاة بطهارة جديدة ، كما قال في سلس البول . وأوجب عليها الوضوء أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي ، ولمالك أيضا نحوه ، وكلهم مجمعون على أنها لا غسل عليها غير مرة واحدة عند إدبار حيضتها ، لكن اختلف في الغسل إذا انقطع عنها دم استحاضتها . واختلف فيه قول مالك رحمه الله .




                                                                                              الخدمات العلمية