الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فيما يشتمل على أحكام الجدل ، وآدابه ، وحده ، وصفته . ثم ( الجدل ) في اللغة : اللدد في الخصومة والقدرة عليها - جادله ، فهو جدل - ككتف - ومجدل - كمنبر - ومجدال - كمحراب وجدلت الحبل - أجدله جدلا : كفتلته أفتله فتلا ، أي [ ص: 578 ] فتلته فتلا محكما ، والجدالة الأرض . يقال : طعنه فجدله : أي رماه في الأرض ( وهو ) أي الجدل في اصطلاح الفقهاء ( فتل الخصم ) أي رده بالكلام ( عن قصده ) أي ما يقصده من نفي أو إثبات من حكم ( لطلب صحة قوله ) أي قول القائل له ( وإبطال ) قول ( غيره ) ( مأمور به ) خبر للمبتدإ الذي هو الجدل ( على وجه الإنصاف ، وإظهار الحق ) قال أبو محمد الجوزي في الإيضاح : اعلم - وفقنا الله وإياك - أن معرفة هذا العلم لا يستغني عنها ناظر ، ولا يتمشى بدونها كلام مناظر ; لأن به تتبين صحة الدليل من فساده ، تحريرا وتقريرا . وتتضح الأسئلة الواردة من المردودة إجمالا وتفصيلا ، ولولاه لاشتبه التحقيق في المناظرة بالمكابرة ، ولو خلي كل مدع ومدعى ما يرومه على الوجه الذي يختار ، ولو مكن كل مانع من ممانعة ما يسمعه متى شاء : لأدى إلى الخبط وعدم الضبط .

وإنما المراسم الجدلية تفصل بين الحق والباطل وتبين المستقيم من السقيم فمن لم يحط بها علما كان في مناظراته كحاطب ليل ، ويدل عليه الاشتقاق . فإن الجدل من قولك : جدلت الحبل أجدله جدلا إذا فتلته فتلا محكما . وقال أيضا : أول ما تجب البداءة به : حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفها بجهده ، فإن ملكها ، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس ، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر ، ويكسبان الوزر ، وإن زل خصمه فليوقفه على زلله ، غير مخجل له بالتشنيع عليه . فإن أصر أمسك ، إلا أن يكون ذلك الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين ، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين . انتهى .

ويدل على الأمر به القرآن قال الله تعالى { وجادلهم بالتي هي أحسن } وقال تعالى { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } وقال تعالى { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } ( وفعله الصحابة ) رضي الله تعالى عنهم ، كابن عباس لما جادل الخوارج والحرورية ، ورجع منهم خلق كثير ( و ) فعله ( السلف ) أيضا كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فإنه جادل الخوارج أيضا . ذكره ابن كثير في تاريخه ( فأما ) إذا كان الجدل ( على وجه الغلبة والخصومة والغضب و ) وجه ( المراء وهو ) أي [ ص: 579 ] المراء ( استخراج غضب المجادل : فمزيل عن طريق الحق ، وإليه انصرف النهي عن قيل وقال وفيه ) أي في المراء ( غلق باب الفائدة ، وفي المجالسة للمناصحة فتحه ) أي فتح باب الفائدة قال البربهاري وهو الحسن بن علي من أئمة أصحابنا المتقدمين - في كتاب شرح السنة له : واعلم أنه ليس في السنة قياس ولا يضرب لها الأمثال ، ولا يتبع فيها الأهواء ، بل هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح ، ولا يقال : لم ؟ ولا كيف ؟ فالكلام والخصومة والجدال والمراء محدث ، يقدح الشك في القلب ، وإن أصاب صاحبه السنة والحق - إلى أن قال - وإذا سألك رجل عن مسألة في هذا الباب ، وهو مسترشد ، فكلمه وأرشده ، وإن جاءك يناظرك فاحذره فإن في المناظرة المراء والجدال والمغالبة والخصومة والغضب ، وقد نهيت عن جميع هذا ، وهو يزيل عن طريق الحق ، ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه جادل أو ناظر أو خاصم وقال أيضا : المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة ، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية