الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثاني : المشهور أن الكذب الخبر المخالف للمخبر عنه ماضيا كان أو مستقبلا ، خلافا لأبي القاسم الزجاجي في كتاب الأذكار بالمسائل النحوية " ، ولابن قتيبة ، حيث خصا الكذب بما مضى ، وأما المستقبل فيقال له : خلف ، ولا يقال له : كذب . لنا قوله تعالى حكاية عن الذين نافقوا : { لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون } وكذبهم في خبرهم عن المستقبل ، وكذا قوله : { ولو ترى إذ وقفوا على النار } إلى قوله : { وإنهم لكاذبون } وفي صحيح مسلم عن جابر : { أن عبدا لحاطب جاء يشكوا حاطبا ، فقال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت لا يدخلها ، فإنه شهد بدرا والحديبية } ، وفي جانب الصدق قوله عليه السلام { أفلح وأبيه إن صدق } فاستعمل الصدق في الخبر عن المستقبل ، فالحق أنه يوصف بهما ماضيا ومستقبلا ، لكن له وصف خاص ، وهو الخلف والوفاء . [ ص: 79 ] وادعى بعضهم أن كلام الشافعي يفهم أن الكذب يختص بالماضي إذ قال : لا يجب الوفاء بالوعد ، وضعف سؤال من قال لصاحبه : غدا أعطيك درهما ، ثم لم يفعل كان كاذبا ، والكذب حرام ، فكيف لا يوجبون الوفاء بالوعد ؟ فقال : والحالة هذه آية أنه حاكم على أمر مستقبل ، ولا كذب فيه ، والوعد إنشاء لا خبر ، وإنما يسمى من لم يف بالوعد مخلفا لا كاذبا ، ولهذا قال عليه السلام في حق المنافق : { إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف } ، فسماه مخلفا ، لا كاذبا ، ولو كان الإخلاف كذبا دخل تحت عموم { إذا حدث كذب } . وقد يقال : إذا لم يدخله الكذب ، لا يكون خبرا ; لأن الخبر ما يفيد الكذب . والظاهر أن الخبر يتعلق بالمستقبل ، كما تقول : سيخرج الدجال ، ويصح فيه التصديق والتكذيب ، والوعد إنشاء لا خبر .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية