الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      أما الترجيح بالإسناد فله اعتبارات أولها : بكثرة الرواة . فيرجح ما رواته أكثر على ما رواته أقل بخلافه ، كاحتجاج الحنفية على عدم الرفع في الركوع ، بحديث إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام ، ثم لا يعود } فيقول : قد روى الرفع ثلاثة وأربعون صحابيا ، وكثير منها في الصحيحين . وكرواية التغليس بالصبح على رواية الإسفار . هذا مذهب الأكثرين ، وهو الصحيح عندنا ونص عليه الشافعي في الرسالة " وقال : الأخذ بحديث عبادة بن الصامت في الربا أولى من حديث أسامة : { إنما الربا في النسيئة } لأنه رواه مع عبادة عمر وعثمان وأبو سعيد وأبو هريرة ، ورواية خمسة أولى من رواية واحد .

                                                      وقرره الصيرفي واحتج له بأن الله جعل الزيادة من العدد بالنسبة لشهادة النساء موجبا للتذكر فقال : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } وكذلك جنس الرجال كلما كثر العدد قوي الحفظ ، ونقله ابن القطان عن الجديد ، قال : وأشار إلى الفرق [ ص: 169 ] بأن الشهود منصوص على عدالتهم فكفينا مئونة الاجتهاد ، والأخبار مبنية على الاجتهاد والاستدلال ، والأولى ترجيح الأكثر ، لأنهم عن الخطأ أبعد ، قال : وذهب في القديم إلى أنهما سواء وشبه بالشهادات .

                                                      قلت : وعكس ابن كج وابن فورك في كتابيهما هذا النقل فقالا : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - في القديم : يرجح الخبر الذي هو أكثر رواة ، لأن المصير إلى الأخبار إنما هو من طريق علم الظاهر ، ويحتمل الغلط والكثرة تدفع الغلط . وقال في الجديد : إنهما سواء ، وعول في ذلك على أنهما قد استويا جميعا في لزوم الحجة عند الانفراد .

                                                      فإذا اجتمعا فقد استويا ويطلب دلالة سواهما ، وبالقياس على الشهادة ، انتهى . وقال سليم : أومأ الشافعي إلى أنهما سواء في موضع آخر ، وحيث قلنا : يرجح بالكثرة فقال القاضي : لا أراه قطعيا ، وقال إمام الحرمين : إن لم يمكن الرجوع إلى دليل آخر قطع باتباع الأكثر فإنه أولى من الإلغاء ، ولأنا نعلم أن الصحابة لو تعارض لهم خبران بهذه الصفة لم يعطلوا الواقعة ، بل كانوا يقدمون هذا . قال : وأما إذا كان في المسألة قياس وخبران متعارضان كثرت رواة أحدهما فالمسألة ظنية ، والاعتماد على ما يؤدي إليه اجتهاد الناظر . وفي المسألة رأي رابع صار إليه القاضي ، والغزالي : أن الاعتماد على ما غلب على ظن المجتهد ، فرب عدل أقوى في النفس من عدلين ، لشدة تيقظه وضبطه . فلما كثر العدد ولم يقو الظن بصدقهم كان خبرهم كخبر الواحد سواء .

                                                      وبالجملة ، فالراجح هو الأول . قال ابن دقيق العيد : بل هو أقوى المرجحات ، فإن الظن يتأكد عن ترادف الروايات . ولهذا يقوى الظن إلى أن يصير العلم به متواترا . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية