الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المثال الرابع والأربعون : الكذب مفسدة محرمة إلا أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة ، فيجوز تارة ويجب أخرى وله أمثلة : أحدها : أن يكذب لزوجته لإصلاحها وحسن عشرتها فيجوز لأن قبح الكذب الذي لا يضر ولا ينفع يسير ، فإذا تضمن مصلحة تربو على قبحه أبيح الإقدام عليه تحصيلا لتلك المصلحة .

وكذلك الكذب للإصلاح بين الناس وهو أولى بالجواز لعموم مصلحته . [ ص: 113 ]

الثاني : أن يختبئ عنده معصوم من ظالم يريد قطع يده فيسأله عنه فيقول ما رأيته فهذا الكذب أفضل من الصدق ، لوجوبه من جهة أن مصلحة حفظ العضو أعظم من مصلحة الصدق الذي لا يضر ولا ينفع ، فما الظن بالصدق الضار ؟ وأولى من ذلك إذا اختبأ عنده معصوم ممن يريد قتله .

الثالث : أن يسأل الظالم القاصد لأخذ الوديعة المستودع عن الوديعة فيجب عليه أن ينكرها ، لأن حفظ الودائع واجب وإنكارها ههنا حفظ لها ، ولو أخبره بها لضمنها وإنكارها إحسان .

الرابع : أن تختبئ عنده امرأة أو غلام يقصدان بالفاحشة ، فيسأله القاصد عنهما فيجب عليه أن ينكرهما الخامس : أن يكره على الشرك الذي هو أقبح الكذب أو على نوع من أنواع الكفر فيجوز له أن يتلفظ به حفظا لنفسه ، لأن مفسدة لفظ الشرك من غير اعتقاد ، دون مفسدة فوات الأرواح ، والتحقيق في هذه الصور وأمثالها أن الكذب يصير مأذونا فيه ويثاب على المصلحة التي تضمنها على قدر رتبة تلك المصلحة من الوجوب في حفظ الأموال والأبضاع والأرواح ، ولو صدق في هذه المواطن لأثم إثم المتسبب إلى تحقيق هذه المفاسد ، وتتفاوت الرتب له ، ثم التسبب إلى المفاسد بتفاوت رتب تلك المفاسد .

التالي السابق


الخدمات العلمية