الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 517 ] القول في قوله تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطيب إلى آخر السورة [الآيات:100-120].

                                                                                                                                                                                                                                      قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينـزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنـزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا.أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد [ ص: 518 ] وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينـزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنـزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منـزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما.توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير

                                                                                                                                                                                                                                      [الأحكام والنسخ]:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم : روى سعد [ ص: 519 ] ابن أبي وقاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم المسلمين على المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته»، وكانوا يسألون عن الشيء وهو حلال، ولا يزالون يسألون حتى يحرم عليهم، فإذا حرم عليهم; وقعوا فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: لما فرض الحج; قال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو قلت: نعم; لوجبت، ولو وجبت لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها; عذبتم»; فنزلت الآية بسبب ذكرهم، وروي معنى ذلك عن أبي أمامة، ومجاهد، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يسألني إنسان في مجلسي هذا عن شيء إلا أنبأته به»، فقال رجل: يا رسول الله؟ من أبي؟ فأخبره، ونزلت الآية، فنهى الله عن ذلك; لأنه أراد الستر على عباده، وروي نحوه عن أنس بن مالك، والحسن، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: من أبي؟ كان منسوبا إلى غير أبيه، فلما [ ص: 520 ] قال: من أبي؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «حذافة»، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقبل رجل النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت بسبب قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم مسائل امتحان، فقال أحدهم: من أبي؟ وقال آخر: أين ناقتي؟ فنهوا عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت فيما سئله النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، حين قيل له: اجعل لنا الصفا ذهبا، فلما لم يفعل لهم ما أرادوه; كفروا.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي نظم هذه الآية والتي تليها غموض يجب بيانه; وذلك أن الله تعالى نهى المؤمنين في أول الآية عن السؤال عما لا يعنيهم، ثم قال: وإن تسألوا عنها حين ينـزل القرآن تبد لكم ; فقيل المعنى: وإن تسألوا عن غيرها، فحذف المضاف، ولا يصح حمله على غير الحذف; فيكون قد نهاهم عن السؤال عن أشياء، ثم قال:

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تسألوا عنها حين ينـزل القرآن تبد لكم ; فيكون - إذا قدر الحذف- كأنه نهاهم أن يسألوا عما لم ينزل به القرآن، وأباح لهم السؤال عما نزل به القرآن، [ ص: 521 ] ويكون معنى قوله: (عفا الله عنها): أن ما لم يكن مذكورا في حلال ولا حرام فهو معفو عنه; فلا تبحثوا عنه; فلعله إن ظهر لكم حكمه; ساءكم، ثم قال: قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ، فأخبر أن قوما من قبلنا قد سألوا آيات مثلها، فلما أعطوها، وفرضت عليهم; كفروا بها، وذلك كسؤال قوم صالح الناقة، وسؤال أصحاب عيسى المائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: نزلت الآية في الذين سألوا عن البحيرة، وما ذكر معها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل في الضمير في قوله: (عفا الله عنها): إنه للمسألة التي سلفت منهم، وقيل: هو للأشياء التي سألوا عنها من أمر الجاهلية، وما جرى مجراها مما يسوءهم; لتشديد المحنة فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو بكر رضي الله عنه: إنكم تقرءون هذه الآية، فتضعونها غير موضعها، سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه.
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 522 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير، ومجاهد: هي في أهل الكتاب; فالمعنى على هذا: لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن المسيب، وغيره: لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: كان الرجل إذا أسلم قال له أهل دينه الذي كان عليه: سفهت آباءك، وضللتهم، وشبه ذلك من الكلام; فنزلت الآية; فالمعنى على هذا: عليكم أنفسكم، ولا شيء عليكم من ضلال آبائكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في الأسارى الذين عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم; فقيل لمن بقي على الإسلام: عليكم أنفسكم، لا يضركم ارتداد أصحابكم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية