الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3022 باب من ظلم من الأرض شبرا، طوقه من سبع أرضين

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب تحريم الظلم، وغصب الأرض وغيرها ) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص49 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن أروى بنت أويس، ادعت على سعيد بن زيد: أنه أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن [ ص: 104 ] الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا، بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

                                                                                                                              قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرا من الأرض ظلما، طوقه إلى سبع أرضين" فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا.

                                                                                                                              فقال اللهم! إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها. ثم بينا هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة فماتت
                                                                                                                              .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عروة بن الزبير ) رضي الله عنه: (أن أروى بنت أوس ادعت على سعيد بن زيد "رضي الله عنه": أنه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا، بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: وما الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من أخذ شبرا من الأرض ظلما، طوقه إلى سبع أرضين" فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد [ ص: 105 ] هذا. فقال: اللهم! إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها. ثم بينا هي تمشي في أرضها؛ إذ وقعت في حفرة، فماتت ) .

                                                                                                                              وفي رواية عنه عند مسلم؛ "من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه، يوم القيامة، من سبع أرضين".

                                                                                                                              وفي أخرى: "من أخذ شبرا من الأرض بغير حق طوقه الله في سبع أرضين يوم القيامة".

                                                                                                                              قال النووي: قال العلماء: هذا تصريح بأن الأرضين سبع طبقات.

                                                                                                                              وهو موافق لقول الله تعالى: سبع سماوات ومن الأرض مثلهن .

                                                                                                                              وأما تأويل المماثلة، على الهيئة والشكل: فخلاف الظاهر. وكذا قول من قال: المراد: "سبع أقاليم". وهذا تأويل باطل، أبطله العلماء انتهى. لأنه لو كان كذلك، لم يطوق الظالم بشبر من هذا الإقليم: شيئا من إقليم آخر. قاله ابن التين، بخلاف طباق الأرض: فإنها تابعة لهذا الشبر في الملك، إلى منتهى الأرض. وله: أن يمنع من حفر تحتها سربا، أو بئرا، بغير رضاه. وأن من ملك ظاهر الأرض: ملك باطنها بما فيه من حجارة، وأبنية، ومعادن، وغير ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 106 ] قال عياض: وقد جاء في غلظ الأرضين وطباقهن وما بينهن: حديث ليس بثابت. انتهى.

                                                                                                                              قلت: ولعل المراد بذلك: حديث ابن عباس "رضي الله عنهما"، في الأوادم والخواتم. والظاهر: أنه أخذه من الإسرائيليات. ويا لله العجب! من قوم جاهلين، تعلقوا به. ومن قوم آخرين تشمروا لإثباته، مع شذوذ فيه، ونكارة من جهة الإسناد، ولم يتابعه أحد ممن يعتمد عليه في هذا الفن. وتأوله قوم، ولا حاجة إليه؛ فإن الموقوف لا يحتج به رأسا، لا سيما في مثل هذا الموطن. ويكفي الإنسان: أن يقول بما ورد: على ما ورد، ولا يزيد عليه من تلقاء نفسه: شيئا لم يرد به مرفوع. ومن حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه.

                                                                                                                              وما أبعد عن المقام: ما استدل به بعض الناس: على وجود مثله صلى الله عليه وآله وسلم، في تلك الطبقات !!

                                                                                                                              قال في النيل: فيه: أن الأرضين السبع متراكمة، لم يفتق بعضها من بعض؛ لأنها لو فتقت: لاكتفي في حق هذا الغاصب، بتطويق التي غصبها، لانفصالها عما تحتها. أشار إلى ذلك الداودي. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 107 ] وهذا تحرير حسن.

                                                                                                                              وأما التطويق المذكور في الحديث، فقالوا: يحتمل أن معناه: أنه يحمل مثله من سبع أرضين، ويكلف إطاقة ذلك.

                                                                                                                              ويحتمل: أن يكون يجعل له كالطوق في عنقه. كما قال تعالى: سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة لا أنه طوق حقيقة.

                                                                                                                              وقيل: معناه: أنه يطوق إثم ذلك، ويلزمه كلزوم الطوق بعنقه.

                                                                                                                              وعلى تقدير التطويق في عنقه: يطول الله عنقه، كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه.

                                                                                                                              وقيل: إنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين، أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه. ويؤيده حديث ابن عمر، بلفظ: "خسف به يوم القيامة، إلى سبع أرضين". رواه أحمد، والبخاري. وقيل غير ذلك.

                                                                                                                              ويحتمل: أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه المعصية، أو تنقسم بينهم بحسب قوة المفسدة وضعفها.

                                                                                                                              قال النووي: وفي هذه الأحاديث: تحريم الظلم، وتحريم الغصب، وتغليظ عقوبته.

                                                                                                                              وفيه: إمكان غصب الأرض، وهو مذهب الشافعي ومذهب الجمهور.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة: لا يتصور غصب الأرض. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 108 ] وإني لأعجب من عدم هذا التصور، فقد صح وشوهد غصبها، من كثير من الناس، ويكون في كل زمان، بحيث لا يمكن إنكاره؛ لمن يختبر أحوال أهل الزرع والحرث. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية