الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              199 باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 159 - 160 ج 2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن علقمة بن وائل ، عن أبيه ، قال : جاء رجل من حضرموت ، ورجل من كندة : إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الحضرمي : يا رسول الله! إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي.

                                                                                                                              فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها، ليس له فيها حق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: " ألك بينة؟ " قال: لا، قال: " فلك يمينه" .

                                                                                                                              [ ص: 254 ] قال: يا رسول الله! إن الرجل فاجر، لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء.

                                                                                                                              فقال: "ليس لك منه إلا ذلك". فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أدبر : " أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقين الله وهو عنه معرض"
                                                                                                                              ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن وائل بن حجر ) رضي الله عنه : (قال : جاء رجل من حضرموت (بفتح الحاء ، وإسكان الضاد ، وفتح الراء والميم.

                                                                                                                              (ورجل من كندة : إلى رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : (وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي ، وخصمه ربيعة بن عبدان (بالباء الموحدة وكسر العين. وروي بالياء التحتية وفتح العين. وصوب عياض والدارقطني : الأول. وضبط جماعة ، منهم ابن عساكر الدمشقي : " الثاني " بتشديد الدال ) .

                                                                                                                              [ ص: 255 ] فقال الحضرمي : يا رسول الله ! إن هذا قد غلبني على أرض لي ، كانت لأبي. فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها ، ليس له فيها حق. فقال النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم للحضرمي : " ألك بينة ؟ قال : لا. قال : " فلك يمينه ". قال : يا رسول الله ! إن الرجل فاجر ، لا يبالي على ما حلف عليه ، وليس يتورع من شيء.

                                                                                                                              أصل " الورع " : الكف عن الحرام. والمضارع بمعنى النكرة في سياق النفي ، فيعم. ويكون التقدير : ليس له ورع عن شيء ) .

                                                                                                                              (فقال : "ليس لك منه إلا ذلك " ) .

                                                                                                                              في هذا : دليل على أنه لا يجب للغريم على غريمه : اليمين المردودة ، ولا يلزمه التكفيل ، ولا يحل الحكم عليه بالملازمة ، ولا بالحبس. ولكنه قد ورد ما يخصص هذه الأمور من عموم هذا النفي. ذكره في النيل. وقال بعده : والحاصل : أن " الحبس " وقع في زمن النبوة ، وفي أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، إلى الآن ، في جميع الأعصار [ ص: 256 ] والأمصار ، من دون إنكار. وفيه من المصالح ما لا يخفى. ولو لم يكن منها : إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم ، الذين يسعون في الإضرار بالمسلمين ويعتادون ذلك. ويعرف من أخلاقهم. ولم يرتكبوا ما يوجب حدا ولا قصاصا ، حتى يقام ذلك عليهم ، فيراح منهم العباد والبلاد.

                                                                                                                              فهؤلاء، إن تركوا وخلي بينهم وبين المسلمين : بلغوا من الإضرار بهم إلى كل غاية. وإن قتلوا : كان سفك دمائهم بدون حقها.

                                                                                                                              فلم يبق : إلا حفظهم في السجن ، والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك ، حتى تصح منهم التوبة ، أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره. وقد أمرنا الله تعالى : بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. والقيام بهما في حق من كان كذلك : لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس ، كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس. انتهى.

                                                                                                                              وقد كثر هذا الجنس في هذه الأعصار والأمصار. فما أحقه بالحبس عند وجود ما يوجبه ! والله أعلم.

                                                                                                                              (فانطلق ليحلف. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ، لما أدبر : " أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ، ليلقين الله تعالى (وهو عنه معرض " ) .

                                                                                                                              [ ص: 257 ] قال النووي : في هذا الحديث : أنواع من العلوم ؛

                                                                                                                              ففيه : أن صاحب اليد ، أولى من أجنبي يدعي عليه.

                                                                                                                              وفيه : أن المدعى عليه : يلزمه اليمين ، إذا لم يقر.

                                                                                                                              وفيه : أن البينة تقدم على اليد ، ويقضى لصاحبها بغير يمين.

                                                                                                                              وفيه : أن يمين " الفاجر " المدعى عليه : تقبل كيمين العدل ، وتسقط عنه المطالبة بها.

                                                                                                                              وفيه : أن أحد الخصمين ، إذا قال لصاحبه : إنه ظالم أو فاجر أو نحوه ، في حال الخصومة : يحتمل ذلك منه.

                                                                                                                              وفيه : أن الوارث إذا ادعى شيئا لمورثه وعلم الحاكم : أن مورثه مات ولا وارث له سوى هذا المدعي : جاز له الحكم به. ولم يكلفه حال الدعوى بينة على ذلك. وموضع الدلالة : أنه قال : قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقد أقر بأنها كانت لأبيه. فلولا علم "النبي صلى الله عليه وآله وسلم " بأنه ورثها وحده ، لطالبه ببينة على كونه وارثا ، ثم ببينة أخرى على كونه محقا في دعواه على خصمه. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية