الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4389 باب فضائل أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ما ظنك باثنين الله ثالثهما.

                                                                                                                              ومثله في النووي : إلا قوله "وقوله الخ" .

                                                                                                                              قلت : اسم أبي بكر ، على المشهور : "عبد الله بن أبي قحافة واسمه) : "عثمان التيمي" ، نسبة إلى جده الأعلى: "تيم" .

                                                                                                                              ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في "مرة بن كعب" . وكان اسمه : "عتيقا" ، لأنه ليس في نسبه : ما يعاب به . أو لقدمه في الخير ، أو لسبقه إلى الإسلام ، أو لحسنه . أو لأن أمه استقبلت به البيت ، وقالت : اللهم ! هذا عتيقك من الموت - لأنه : كان لا يعيش لها ولد - أو لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "بشره بأن الله أعتقه من النار" . كما في حديث عائشة ، عند الترمذي . -وصححه ابن حبان -.

                                                                                                                              [ ص: 258 ] ولقب بالصديق : لتصديقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وفي حديث "علي" عند الطبراني ، بإسناد ؛ رجاله ثقات : "أنه كان يحلف أن الله أنزل : اسم أبي بكر من السماء : "الصديق" .

                                                                                                                              واسم أمه : "سلمى" . وتكنى : "أم الخير" بنت صخر بن مالك .

                                                                                                                              أسلمت ، وهاجرت.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 149 ج 15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن همام، حدثنا ثابت، حدثنا أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه: أبصرنا تحت قدميه فقال "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما"

                                                                                                                              . )

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ؛ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه؛ حدثه ؛ قال : نظرت إلى أقدام المشركين ، على رؤوسنا ونحن [ ص: 259 ] في الغار ، فقلت : يا رسول الله ! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه : أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين ، الله ثالثهما ؟) .

                                                                                                                              قال النووي : أي ثالثهما : بالنصر ، والمعونة ، والحفظ ، والتسديد . وهو داخل في قوله تعالى : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .

                                                                                                                              قال : وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى في هذا المقام . وفيه : فضيلة لأبي بكر الصديق ، رضي الله عنه . وهي من أجل مناقبه. والفضيلة من أوجه ؛

                                                                                                                              منها : هذا اللفظ . ومنها : بذله نفسه ، ومفارقته أهله ، وماله ، ورياسته "في طاعة الله ، ورسوله" ، وملازمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومعاداة الناس فيه .

                                                                                                                              ومنها : جعله نفسه وقاية عنه، وغير ذلك . انتهى.

                                                                                                                              قلت: وفي البخاري ؛ من حديث البراء بن عازب ؛ قال : لا تحزن إن الله معنا .

                                                                                                                              [ ص: 260 ] ومعنى "الله ثالثهما" أي : "جاعلهما ثلاثة" بضم نفسه تعالى إليهما : في المعنية المعنوية ، التي أشار إليها بقوله : "معنا" . وهو من قوله تعالى : ثاني اثنين إذ هما في الغار .

                                                                                                                              واختلف الناس : في تفضيل بعض الصحابة ، على بعض ؛

                                                                                                                              فقالت طائفة : لا تفاضل ، بل نمسك عن ذلك .

                                                                                                                              وقال الجمهور : بالتفضيل . ثم اختلفوا ؛

                                                                                                                              فقال أهل السنة : أفضلهم : أبو بكر الصديق ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي .

                                                                                                                              وقال بعضهم، من أهل الكوفة : بتقديم علي على عثمان .

                                                                                                                              قال النووي : والصحيح المشهور : تقديم عثمان على علي . قال أبو منصور البغدادي : أصحابنا مجمعون : على أن أفضلهم: الخلفاء الأربعة على الترتيب ، ثم تمام العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أحد ، ثم أهل بيعة الرضوان ، وممن له مزية أهل العقبتين "من الأنصار" . وكذلك السابقون [ ص: 261 ] الأولون ، "وهم من صلى إلى القبلتين" : في قول ابن المسيب ، وطائفة . وفي قول الشعبي : "أهل بيعة الرضوان" . وفي قول عطاء ، ومحمد بن كعب : "أهل بدر " .

                                                                                                                              ثم اختلفوا : في أن هذا التفضيل قطعي ، أم لا. وهل هو في الظاهر ، والباطن ؟ أم في الظاهر خاصة؟.

                                                                                                                              "وبالقطع" : قال أبو الحسن الأشعري . قال : وهم في الفضل على ترتيبهم في الإمامة .

                                                                                                                              وممن قال بأنه اجتهادي ظني : أبو بكر الباقلاني .

                                                                                                                              وأما عثمان : فخلافته صحيحة بالإجماع . وقتل مظلوما . وقتلته فسقة، لأن موجبات القتل مضبوطة ، ولم يجر منه ما يقتضيه . ولم يشارك في قتله : أحد من الصحابة ، وإنما قتله همج ورعاع ، من غوغاء القبائل ، وسفلة الأطراف والأرذال . تحزبوا ، وقصدوه من مصر ، فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم . فحصروه حتى قتلوه ، رضي الله عنه .

                                                                                                                              وأما علي "كرم الله وجهه" : فخلافته صحيحة بالإجماع أيضا . وكان هو الخليفة في وقته ، لا خلافة لغيره .

                                                                                                                              وأما معاوية : فهو من العدول الفضلاء ، والصحابة النجباء .

                                                                                                                              وأما الحروب التي جرت : فكانت لكل طائفة شبهة ، اعتقدت تصويب أنفسها بسببها . وكلهم عدول ، ومتأولون في حروبهم وغيرها . ولم يخرج [ ص: 262 ] شيء من ذلك أحدا منهم من العدالة ، لأنهم مجتهدون ، اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد . كما يختلف من بعدهم في مسائل الدماء وغيرها . ولا يلزم من ذلك : نقص أحد منهم .

                                                                                                                              قال النووي : اعلم أن سبب تلك الحروب : أن القضايا كانت مشتبهة . فلشدة اشتباهها : اختلف اجتهادهم ، وصاروا ثلاثة أقسام ؟.

                                                                                                                              قسم ظهر لهم بالاجتهاد : أن الحق في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ ، فوجب عليهم نصرته ، وقتال الباغي عليه "فيما اعتقدوه" ، ففعلوا ذلك . ولم يكن يحل لمن هذه صفته : التأخر عن مساعدة إمام العدل ، في قتال البغاة "في اعتقاده" .

                                                                                                                              وقسم "عكس هؤلاء" ، ظهر لهم بالاجتهاد : أن الحق في الطرف الآخر ، فوجب عليهم : مساعدته ، وقتال الباغي عليه .

                                                                                                                              وقسم ثالث : اشتبهت عليهم القضية ، وتحيروا فيها ، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين ، فاعتزلوا الفريقين . وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم ، حتى يظهر أنه مستحق لذلك . ولو ظهر لهؤلاء : رجحان أحد الطرفين ، وأن الحق معه ، لما جاز لهم التأخر عن نصرته ، في قتال البغاة عليه . فكلهم معذورون . ولهذا اتفق أهل الحق ، ومن يعتد به في الإجماع : على قبول شهاداتهم ، ورواياتهم ، وكمال عدالتهم "رضي الله عنهم أجمعين" . هذا آخر كلام [ ص: 263 ] النووي "رحمه الله" . وهو المذهب المنصور ، والمختار المشهور : بين فحول العلماء ، من الجمهور . وفيه السلامة في الدنيا والآخرة "إن شاء الله تعالى ، الرحيم الغفور" . وقاتل الله : الروافض ، والنواصب ، والخوارج ؛ قد استطالوا في حقوقهم ، وأمورهم ، وفاهوا بما لم يأذن به الله ولا رسوله ، "صلى الله عليه وآله وسلم" : في شأنهم . فمنهم من أهلكه مذهبه ، حتى وقعوا فيهم : بصريح السباب والشتم ، ونالوا منهم ما لم ينله منهم الشيطان .

                                                                                                                              ومنهم من نسب بعضهم إلى المدح ، وبعضهم إلى الذم.

                                                                                                                              ومنهم من فضل بعضا منهم ، على بعض منهم : بلا برهان ، ولا قرآن .

                                                                                                                              ومنهم من أنكر خلافة بعضهم ، وأثبت خلافة بعضهم .

                                                                                                                              وللناس فيما يعشقون مذاهب .

                                                                                                                              ولا ريب ، ولا شك : أن المذهب الحق الصحيح ، الحري بالقبول والإيثار : هو مذهب سلف هذه الأمة ، وأئمتها الأخيار الأبرار . وكف اللسان عن مساويهم ، وذكرهم : بالخير ، والدعاء ، والاستغفار .

                                                                                                                              ولنا كلام على مسألة مشاجرتهم ، حورناه في غير هذا الموضع ، من مؤلفاتنا ، فلا نعيده : فرارا عن التكرار . فراجع إليه ، تجده "إن شاء الله [ ص: 264 ] تعالى" شافيا صدور قوم أحرار ، مع القول بالقول الراجح المختار . اللهم ربنا : اغفر لنا ، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا . ربنا إنك رؤوف رحيم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية