الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون .

[206] إن الذين عند ربك لا يستكبرون يعني: الملائكة.

لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وينزهونه.

وله يسجدون يخصونه بالعبادة، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين، ولذلك شرع السجود لقراءته، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله! أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".

واتفق الأئمة على أن هذا موضع سجود للقارئ.

وأما عدد سجدات القرآن، فهي خمس عشرة سجدة، أولها خاتمة الأعراف، وآخرها خاتمة العلق، منها خمس سجدات مختلف فيها، وهي ثانية الحج عند الشافعي وأحمد هي من عزائم السجود، خلافا لأبي حنيفة ومالك، وسجدة ص عند أبي حنيفة ومالك خلافا للشافعي وأحمد; فإنها عندهما سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، فلو سجد بها فيها عالما عمدا، بطلت صلاته عندهما، وسجدات المفصل، وهي: النجم، والانشقاق، والعلق عند الثلاثة، خلافا لمالك، والعشر الباقية متفق عليها، وهي آخر الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والأولى في الحج، والفرقان، والنمل، والم تنزيل، وحم السجدة، ومحلها في حم [ ص: 84 ] عند مالك عند قوله: إياه تعبدون ، وعند الثلاثة عند قوله: لا يسأمون .

وسجود التلاوة كالصلاة يشترط له الطهارة، واستقبال القبلة بالاتفاق، ولا يسجد له في وقت نهي عند الثلاثة، خلافا للشافعي.

واختلفوا في حكم سجود التلاوة، فقال أبو حنيفة: هو واجب على التالي والسامع، سواء قصد السماع أو لم يقصد، فإذا أراد السجود، كبر وسجد بلا رفع يد، ثم كبر ورفع، ولا تشهد عليه ولا سلام، ومن تلاها في الصلاة فلم يسجدها، سقطت عنه، ولو تلاها فيها، إن شاء ركع، وإن شاء سجدها، ثم قام فقرأ، وهو الأفضل.

وقال مالك: هو فضيلة للقارئ وقاصد الاستماع إن كان القارئ يصلح للإمامة، ويكبر لخفضه ورفعه، وليس له تسليم، وتكره قراءتها في صلاة الفرض جهرا أو سرا، ويسجد في صلاة النفل مطلقا.

وقال الشافعي: هو سنة للقارئ والمستمع والسامع، فإن قرأ في الصلاة، سجد الإمام والمنفرد لقراءته فقط، والمأموم لسجدة إمامه، فإن سجد إمامه، فتخلف أو انعكس، بطلت صلاته، ولا تكره قراءتها في جهرية ولا سرية، وإذا سجد خارج الصلاة، نوى، وكبر للإحرام رافعا يديه، ثم للهوي بلا رفع، وسجد كسجدة الصلاة، ورفع مكبرا، وسلم من غير تشهد، والاختيار ترك القيام له، وإن سجد في الصلاة، كبر للهوي والرفع، ولا يرفع يديه، ولا يجلس للاستراحة. [ ص: 85 ]

وقال أحمد: هو سنة للقارئ والمستمع دون السامع، ويعتبر أن يكون القارئ يصلح إماما، فلا يسجد قدام إمامه، ولا عن يساره مع خلو يمينه، ولا رجل بتلاوة امرأة وخنثى، وسجوده عن قيام أفضل، ويكبر إذا سجد وإذا رفع، والسلام ركن وتجزئ واحدة بلا تشهد، وإن سجد إمام في صلاة جهر أو خارجها، سن رفع يديه كالمنفرد مطلقا، ويلزم المأموم متابعته في صلاة الجهر، فلو تركه عمدا، بطلت صلاته، وإذا قام المصلي من سجود التلاوة، فهو مخير بين القراءة والركوع بدونها، ويكره للإمام قراءة سجدة في صلاة سر، والسجود لها، فإن فعل، فالمأموم مخير بين اتباعه وتركه.

واختلفوا في سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم، فقال أبو حنيفة ومالك: يكره، فيقتصر على الحمد والشكر باللسان، وخالف أبو يوسف ومحمد أبا حنيفة، فقالا: هي قربة يثاب عليها، وقال الشافعي وأحمد: يسن، وحكمه عندهما كسجود التلاوة، لكنه لا يفعل في الصلاة، والله أعلم.

* * * [ ص: 86 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية