الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم [المائدة : 109] أي : [ ص: 423 ] ما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم في دار الدنيا إلى توحيدي وطاعتي ؟

وتوجيه السؤال إلى الرسل لقصد توبيخ قومهم وأممهم المشركة .

قالوا صيغة الماضي للدلالة على التحقيق : لا علم لنا هذا تفويض منهم وإظهار للعجز ، وعدم القدرة ، ورد الأمر إلى علمه تعالى .

وقيل : معناه : لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا .

وقيل : لا علم لنا بما اشتملت عليه بواطنهم .

وقيل : لا علم لنا بعاقبة أمرهم .

وقيل : غير ذلك، واللفظ أوسع من هذا .

إنك أنت علام الغيوب يعني : إنك تعلم ما غاب عنا من باطن الأمور .

ونحن نعلم ما نشاهد ، ولا نعلم ما في الضمائر ؛ ليس تخفى عليك خافية .

وفي الآية دليل على نفي علم الأنبياء بالغيوب ، إجماعا منهم ، واعترافا به في تجاه الرب تعالى . وإذا لم يعلم الرسل والأنبياء الغيب ، ونفاه عنهم سبحانه ، فمن ذا الذي يدعيه لنفسه أو لأحد منهم مضادا لأخبار الله تعالى ؟

وقال تعالى : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق [المائدة : 116] .

أشار به إلى أن اتخاذهما إلهين تشريك لهما معك في الألوهية ، لا إفرادهما بذلك.

إذ لا شبهة في ألوهيتك ، وأنت منزه عن الشريك ، فضلا أن يتخذ إلها دونك ، على ما يشعر به ظاهر العبارة ، نبه عليه السعد التفتازاني . إن كنت قلته فقد علمته ، وهذا هو غاية الأدب وإظهار المسكنة لعظمة الله تعالى ، وتفويض الأمر إلى علمه ، وقد علم أنه لم يقله ؛ فثبت بذلك عدم القول به .

تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك قال ابن عباس : أي : تعلم ما في غيبي ؛ ولا أعلم ما في غيبك . إنك أنت علام الغيوب تعلم ما كان وما سيكون . [ ص: 424 ]

وفي الآية دليل على اختصاص الله تعالى بعلم الغيب ؛ ورد على كل من يدعيه من الناس ؛ أو يثبته لأحد من الخلق ، سواء كان رسولا ، أو غيره .

فإن كلهم -في عدم العلم الغيب ، أي غيب كان - سواسية .

ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم [المائدة : 117] ؛ أي : ما أمرتهم إلا أن وحدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا .

وفيه رد على النصارى في قولهم : إن المسيح ابن الله ؛ فإنه - عليه السلام - اعترف هنا بعبديته ، وربوبية الله له ولهم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية