الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : وما يعزب عن ربك [يونس : 61] ؛ أي : ما يغيب عن علمه من مثقال ذرة ؛ أي : نملة حمراء ، التي هي خفيفة الوزن جدا .

في الأرض ولا في السماء ؛ أي : في دائرة الوجود والإمكان .

وإنما عبر عنها بها ، مع أنه سبحانه لا يغيب عنه شيء ، لا فيهما ، ولا فيما هو خارج عنهما ؛ لأن الناس لا يشاهدون سواهما ، وسوى ما فيهما من المخلوقات . وقدم الأرض على السماء ؛ لأنها محل استقرار العالم ، فهم يشاهدون ما فيها من قرب .

وقال تعالى : ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب [الأنعام : 50] أي : ولا أدعي أني أعلم بغيب الله .

فيه إنكار عن علمه صلى الله عليه وسلم بالغيب ، وهو نص في موضع النزاع ، وقد تقدم قريبا .

وقال تعالى : تلك [هود : 49] ؛ أي : قصة نوح عليه السلام من أنباء الغيب ؛ أي : من جنسها .

والأنباء جمع نبأ ، وهو الخبر نوحيها إليك ، والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة ما كنت يا محمد تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ؛ أي : الوحي أو القرآن فاصبر إن العاقبة للمتقين .

فيه نفي علم الغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن العرب ، وغيرهم مثلهم في ذلك. [ ص: 426 ]

وقال تعالى : ولله غيب السماوات والأرض [هود : 123] ؛ أي : علم جميع ما هو غائب عن العباد فيهما .

وخص الغيب ، مع كونه يعلم بما هو مشهود ، كما يعلم بما هو مغيب ؛ لكونه من العلم الذي لا يشاركه فيه غيره . قاله في «فتح البيان » .

وإليه يرجع الأمر كله ؛ أي : أمر الخلق كلهم ، في الدنيا والآخرة ، يوم القيامة ، فيجازي كلا بعلمه .

فاعبده ولا تعبد غيره ؛ فإن عبادة الغير ، وإثبات علم الغيب له شرك به تعالى وتوكل عليه ، قيل: هذا الخطاب له صلى الله عليه وسلم، ولجميع خلقه ، مؤمنهم وكافرهم .

وفي تأخير الأمر بالتوكل عن الأمر بالعبادة إشعار بأنه لا ينفع دونها .

قال كعب الأحبار : فاتحة التوراة فاتحة الأنعام ، وخاتمتها خاتمة هود ؛ يعني : هذه الآية : ولله إلخ .

وقال تعالى : ذلك [يوسف : 102-103] المذكور من أمر يوسف عليه السلام من أنباء الغيب ؛ أي : أخباره نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون فيه نفي علم الغيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم ، وبالغت في ذلك بمؤمنين بالله ؛ لتصميمهم على الشرك الذي هو دين آبائهم ، وعلى الكفر .

وقد وجد ما ذكره الله تعالى هاهنا من عدم إيمانهم بتوحيد الألوهية في كل زمان ، سيما في هذا الزمان الأخير الذي ظهر فيه الفساد في البر والبحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية