الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأما التقليل إلى قوت اليوم أو الأوقية فذلك ورد في كراهية السؤال والتردد على الأبواب وذلك مستنكر وله حكم آخر بل التجويز إلى أن يشتري ضيعة فيستغني بها أقرب إلى الاحتمال ، وهو أيضا مائل إلى الإسراف .

والأقرب إلى الاعتدال كفاية سنة فما وراءه فيه خطر ، وفيما دونه تضييق .

وهذه الأمور إذا لم يكن فيها تقدير جزم بالتوقيف فليس للمجتهد إلا الحكم بما يقع له ثم يقال للورع : استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك . كما قاله صلى الله عليه وسلم إذ الإثم حزاز القلوب فإذا وجد القابض في نفسه شيئا مما يأخذه فليتق الله فيه ولا يترخص تعللا بالفتوى من علماء الظاهر فإن لفتواهم قيودا ومطلقات من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام شبهات .

والتوقي من الشبهات من شيم ذوي الدين وعادات السالكين لطريق الآخرة .

التالي السابق


(فأما التقليل إلى قوت اليوم) غداء وعشاء (و) إلى (الأوقية) وهي أربعون درهما (فلذلك ورد في كراهية السؤال) كما سبق ذلك في الأحاديث السابقة، (و) في كراهية (التردد على الأبواب) بالتكفف، (وذلك مستنكر) شرعا؛ إذ قد ورد النهي عنه (وله حكم آخر) ، وبه ظهر أن نصاب ما يمنع به السؤال غير نصاب الزكاة، (بل التجويز إلى أن يشتري به ضيعة) أو عقارا كما قاله العراقيون (فيستغنى بها أقرب إلى الاحتمال، وهو أيضا مائل إلى الإسراف) والتجاوز عن الحد، (والأقرب إلى الاعتدال الكفاية لسنة) كما قدمنا، (وما وراء ذلك ففيه خطر، وفيما دونه تضييق، وهذه الأمور إذا لم يكن فيها تقدير جزم بالتوقيف) من الشرع (فليس للمجتهد إلا الحكم بما يقع له ثم يقال للورع: استفت قلبك وإن أفتوك. كما قاله صلى الله عليه وسلم) وتقدم في كتاب العلم (إذا لا ثم حزاز القلوب) وهذا أيضا تقدم في كتاب العلم (فإذا وجد القابض في نفسه شيئا مما يأخذه) من شبهة أو شبهها (فليتق الله فيه) ، وليقدم الخوف من الله تعالى، (ولا يترخص) في أخذه (تعللا بالفتوى من علماء الظاهر) ، معتقدا من قلد عالما لقي الله سالما، (فإن لفتاويهم قيودا) معلومة (ومطلقات من الضرورات) في المحظورات (وفيها تخمينات) وظنون (واقتحام شبهات) باختلاف نوازل وواقعات، (والتوقي من الشبهات) أي: التحفظ منها (من شيم ذوي الدين) المتقين، (وعادات السالكين لطريق الآخرة) ، نفعنا الله بهم، آمين. وبقي عليه مما يتعلق بالباب ما إذا اجتمع في شخص صفتان، فهل يأخذ بهما أم بإحداهما فقط؟ فيه طرق، أصحها على قولين، أظهرهما بإحداهما فيأخذ بأيهما شاء، والطريق الثاني: القطع بهذا، والثالث: إن اتحد جنس الصفتين أخذ بإحداهما، فإن اختلف فيهما فالاتحاد، كالفقر مع الغرم لمصلحة نفسه؛ لأنهما يأخذان لحاجتهما إلينا، وكالغرم للإصلاح مع الغزو، فإنهما لحاجتنا إليهما، والاختلاف كالفقر والغزو، فإن قلنا بالمنع فكان العامل فقيرا، فوجهان بناء على أن ما يأخذه العامل أجرة؛ لأنه إنما يستحق بالعمل أم صدقة لكونه معدودا في الأصناف؟ وفيه وجهان؛ وإذا جوزنا الأخذ بمعنيين جاز بمعان، وفيه احتمال للحناطي، قال النووي: قال الشيخ نصر: إذا قلنا: لا يأخذ إلا بسبب، فأخذ بالفقر كان لغريمه أن يطالبه بدينه فيأخذ ما حصل له، وكذا إن أخذ لكونه غارما، فإذا بقي بعد أخذه فقيرا، فلا بد من أخذه من سهم الغرماء؛ لأنه الآن محتاج، والله أعلم .




الخدمات العلمية