الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السابع : العجب بالمال كما قال تعالى إخبارا عن صاحب الجنتين إذ قال أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا غنيا جلس بجنبه فقير فانقبض عنه ، وجمع ثيابه ، فقال عليه السلام أخشيت أن يعدوا إليك فقره» وذلك للعجب بالغنى، وعلاجه أن يتفكر في آفات المال وكثرة حقوقه، وعظم غوائله، وينظر إلى فضيلة الفقراء، وسبقهم إلى الجنة في القيامة، وإلى أن المال غاد ورائح ولا أصل له، وإلى أن في اليهود من يزيد عليه في المال وإلى قوله عليه الصلاة والسلام «بينما رجل يتبختر في حلة أعجبته نفسه إذ أمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» أشار به إلى عقوبة إعجابه بماله ونفسه .

وقال أبو ذر كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فقال لي : « يا أبا ذر ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا رجل عليه ثياب جياد ثم قال ارفع رأسك » فرفعت رأسي ، فإذا رجل عليه ثياب خلقة فقال لي : « يا أبا ذر هذا عند الله خير من قراب الأرض مثل هذا » .

وجميع ما ذكرناه في كتاب الزهد وكتاب ذم الدنيا وكتاب ذم المال يبين حقارة الأغنياء وشرف الفقراء عند الله فكيف يتصور من المؤمن أن يعجب بثروته بل لا يخلو المؤمن عن خوف من تقصيره في القيام بحقوق المال، في أخذه من حله، ووضعه في حقه ومن لا يفعل ذلك فمصيره إلى الخزي والبوار، فكيف يعجب بماله .

التالي السابق


(السابع: العجب بالمال كما قال تعالى) حكاية عن الكفار: نحن أكثر أموالا وأولادا ، و (قال تعالى إخبارا عن صاحب) إحدى (الجنتين إذ قال) أحدهما لصاحبه: ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) أي: أولادا وأعوانا (ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا غنيا جلس بجنبه فقير فانقبض منه، وجمع ثيابه، فقال صلى الله عليه وسلم "خشيت أن يعدوا إليك فقره") قال العراقي: رواه أحمد في الزهد، (وذلك للعجب بالغنى، وعلاجه أن [ ص: 423 ] يتفكر في آفات المال) التي تعرض بسببه (وكثرة حقوقه، وعظم غوائله) أي: دواهيه (وينظر إلى فضيلة الفقراء، وسبقهم إلى الجنة في القيامة) قبل الأغنياء بخمسمائة عام كما تقدم في الأخبار، (وإلى أن المال غاد ورائح) أي يغدو تارة، ويروح أخرى، لا اعتماد عليه (ولا أصل له، وإلى أن في اليهود) ، والنصارى (من يزيد عليه في المال) كما هو مشاهد (وإلى قوله صلى الله عليه وسلم "بينما رجل يتبختر في حلة أعجبته نفسه إذ أمر الله الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة") رواه الشيخان من حديث أبي هريرة، وقد تقدم في أول هذا الكتاب، (أشار به إلى عقوبة إعجابه بماله ونفسه، وقال أبو ذر) رضي الله عنه: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فقال: "يا أبا ذر ارفع رأسك") قال: (فرفعت رأسي، فإذا رجل عليه ثياب خلقان) بالضم جمع خلق محركة، يقال: ثوب خلق، وثياب خلقان، وقد خلق ككرم إذا بلي وتقطع (فقال لي: "يا أبا ذر هذا عند الله خير من قراب الأرض مثل هذا") ، والقراب بالكسر مصدر قارب الأمر إذا داناه، يقال: لو جاء بقراب الأرض أي بما يقاربها، ولو أن لي قراب الأرض ذهبا أي ما يقارب ملأها، قال العراقي: رواه ابن حبان في صحيحه اهـ .

قلت: لكن لفظه "يا أبا ذر انظر إلى أرفع رجل في المسجد في عينك" قال: فنظرت، فإذا رجل عليه حلة، قلت: هذا. قال "انظر إلى أوضع رجل في المسجد"، فنظرت، فإذا رجل عليه خلاف قلت: هذا. قال: "والذي نفسي بيده لهذا عند الله يوم القيامة خير من ملء الأرض مثل هذا"، وهكذا رواه أيضا أحمد وهناد كلاهما في الزهد، وأبو يعلى في المسند، والروياني، والحاكم، والضياء في المختارة، (وجميع ما ذكرناه في كتاب الزهد وكتاب ذم المال يبين حقارة الأغنياء وشرف الفقراء عند الله) تعالى (فكيف يتصور من المؤمن أن يعجب بثروته) أي كثرة ماله، (بل لا يخلو المؤمن عن خوف من تقصيره في القيام بحقوق المال، وأخذه من حله، ووضعه في حقه) ، وأنى يقوم بتلك الحقوق، (ومن لا يفعل ذلك) أي: لا يأخذ المال من حيث الحل، ثم إذا أخذه كذلك لا يضعه في حقه (فمصيره إلى الخزي والبوار) أي: الهلاك (فكيف) يتصور أن (يعجب بماله) .




الخدمات العلمية