الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان حكم العمل المشوب واستحقاق ، الثواب به .

اعلم أن العمل إذا لم يكن خالصا لوجه الله تعالى ، بل امتزج به شوب من الرياء ، أو حظوظ النفس ، فقد اختلف الناس في أن ذلك هل يقتضي ثوابا أم يقتضي عقابا أم لا يقتضي شيئا أصلا ، فلا يكون له ولا عليه . أما الذي لم يرد به إلا الرياء فهو عليه قطعا ، وهو سبب المقت والعقاب .

وأما الخالص لوجه الله تعالى فهو سبب الثواب وإنما النظر في المشوب .

التالي السابق


(بيان حكم العمل المشوب، واستحقاقه الثواب به )

وبيان اختلاف أقوال العلماء فيه

(اعلم ) هداك الله تعالى (أن العمل إذا لم يكن خالصا لوجه الله تعالى، بل امتزج به شوب من الرياء، أو حظوظ النفس، فقد اختلف في أن ذلك هل يقتضي ثوابا أم يقتضي عقابا أم لا يقتضي شيئا أصلا، فلا يكون له ولا عليه .

أما الذي لم يرد به إلا الرياء فهو عليه قطعا، وهو سبب المقت والعقاب ) كما دلت بذلك الأخبار التي تقدم ذكرها في كتاب العلم، ومنها حديث أبي هريرة الذي أوله: "أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة" وقد تقدم قريبا .

ومنها حديث ابن عمر : "من تعلم علما لغير الله، وأراد به غير الله، فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذي والنسائي .

ومنها حديث أبي هريرة : "من تعلم علما يبتغي به غير وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها، رواه أبو داود والحاكم وصححه .

ومنها حديث كعب بن مالك: "من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار" رواه الترمذي، وقال: غريب .

ومنها حديث أبي هريرة : "إن في جهنم واديا يقال له جب الحزن، تتعوذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرة، يسكنه القراء المراؤون بأعمالهم" رواه الترمذي، وقال: غريب .

فهذه الأخبار إنما تدل كلها على حبوط العمل وبطلانه؛ لتمحيصه للرياء، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، وإن كل ما كان بهذه المثابة فهو على المرء لا له، ولا ينجو منه كفافا، بل هو على خطر العقاب، إلا أن يتوب من ذلك توبة يقبلها الله منه، ويعفو عنه بكرمه كرما وفضلا .

(وأما الخالص لوجه الله تعالى فهو سبب الثواب ) كما دلت بذلك أيضا الأخبار التي تقدم ذكرها، وهذا أيضا لا خلاف فيه بين العلماء .

(وإنما النظر في ) العمل (المشوب ) وهو أن يكون الباعث على طلب عمل من أعمال الطاعات مجموع القصدين، قصد وجه الله تعالى والقصد الدنيوي، وقد اختلف الأئمة فيه .

فمنهم من قال: لا يقتضي هذا العمل ثوابا ولا عقابا، ومنهم من قال: يثاب على ما فيه من الإخلاص .




الخدمات العلمية