الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الرابع والعشرون

                                                                                                                                                                                                                              في معرفة رضاه وسخطه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الشيخ عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه ، كأنه دارة القمر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمر وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى قاسم بن ثابت في غريبه عنها أيضا قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد وجده مسح بيده على رأسه ولحيته ، وتنفس الصعداء ، وقال : «حسبي الله ونعم الوكيل» فيعرف بذلك شدة غمه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن هند بن أبي هالة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واسع الجبينين ، أزج الحواجب ، في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ، إذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نتنازع في القدر ، فغضب حتى احمر وجهه ، كأنما ألقي على وجهه حب الرمان ، حتى أقبل علينا فقال : «أبهذا أمرتم ؟ أم بهذا أرسلت إليكم ؟ هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر ، عزمت عليكم أن لا تفعلوا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 127 ] وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كنا جلوسا بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض : ألم يقل الله تعالى كذا وكذا ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فخرج فكأنما عصر على وجهه حب الرمان ، فقال : «أبهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ لا تضربوا كتاب الله تعالى بعضه ببعض ، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا ، وانظروا إلى الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإسماعيلي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بما يستطيعون من العمل قالوا : يا رسول الله ، إنا لسنا كهيأتك ، إن الله تعالى قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فيغضب حتى يعرف ذلك في وجهه ، ثم يقول : «أنا أتقاكم ، وأعلمكم بالله» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني عبد الأشهل على الصدقة ، فلما قدم سأله إبلا من الصدقة ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه -أن تحمر عيناه- ثم قال : «إن الرجل ليسألني ما لا يصلح لي ولا له ، فإن منعته كرهت المنع ، وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له» ، فقال الرجل : يا رسول الله : لا أسألك شيئا منها .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا لنفسه قط ، وكان إذا انتهك من محارم الله كان أشدهم في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              الرضا : مصدر رضي وهي في حق المخلوق : ميل النفس وانبساطها ، وفي حق القديم : عبارة عن إرادته تنعم المرضي عنه .

                                                                                                                                                                                                                              السخط : بضم السين المهملة ، وسكون الخاء المعجمة ، والقياس ضمها : تغير النفس ، وانقباضها لأخذ الثأر ، وفي حق الخالق تعالى : عبارة عن إرادته لتعذيب المغضوب عليه ، فإرادته تعالى واحدة ، قديمة متعلقة بما يتناهى من الإرادات ، كما أن علمه واحد ، ومعلوماته لا تتناهى .

                                                                                                                                                                                                                              الوجد : الغم : بغين معجمة مفتوحة فميم . [ ص: 128 ]

                                                                                                                                                                                                                              المس : التغطية .

                                                                                                                                                                                                                              الصعداء : بضم الصاد ، وفتح العين والدال المهملات : تنفس طويل .

                                                                                                                                                                                                                              الحواجب : تقدم الكلام عليه .

                                                                                                                                                                                                                              أشاح : بهمز وشين معجمة ، وحاء مهملة بعد الألف : إذا بالغ في الإعراض ، وجد فيه ، ويقال : أشاح إذا عدل بوجهه ، وهذا معنى هذا الحرف في هذا الموضع .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : الشيح : البالغ في كل أمر ، أي : إذا بلغ لم يكن ينتقم ويؤاخذ ، بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه . وغض الطرف عند الفرح على نفي البطر والأشر .

                                                                                                                                                                                                                              غض طرفه بغين وضاد معجمتين ، أي : خفضه ، ولم يرفعه من الحياء والخفر .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية