الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : روى البخاري في تاريخه وابن جرير من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله ، فذكر الحديث السابق ، فبان سند ابن إسحاق بذلك . ورواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، عن أبي سعيد . ورواه ابن المنذر من وجه آخر عن ابن جرير مفصلا .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : قال السهيلي : "وهذا القول من أخبار يهود ، وما تأولوه من معاني هذه الحروف محتمل حتى الآن أن يكون من بعض ما دلت عليه هذه الحروف المقطعة ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذبهم ، فيما قالوا من ذلك ولا صدقهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال في حديث آخر : "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وبرسوله"

                                                                                                                                                                                                                              . وإذا كان في حد الاحتمال وجب ، أي يفحص عنه في الشريعة ، هل يشير إلى كتاب أو سنة؟ فوجدنا في التنزيل وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [الحج 47] ووجدنا في حديث زمل الخزاعي حين قص على رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا قال فيها : "رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع درجات ، وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تبعثها" . ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها ، وقال في المنبر ودرجاته : "الدنيا سبعة آلاف سنة ، بعثت في آخرها ألفا" والحديث وإن كان ضعيف الإسناد ، فقد روي موقوفا عن ابن عباس من طرق صحاح أنه قال : "الدنيا سبعة أيام ، كل يوم منها ألف سنة" ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم منها ، وقد مضت [منه] سنون أو قال مئون : [قال السهيلي] : ولكن إذا قلنا : أنه عليه الصلاة والسلام بعث في الألف الأخيرة بعد ما مضت منه سنون ، ونظرنا بعد إلى الحروف المقطعة في أوائل السور وجدناها أربعة عشر حرفا يجمعها قولك : "ألم يسطع نص حق كره" ، ثم نأخذ العدد على حساب أبي جاد ، فنجد "ق" مائة و "ر" مائتين و "س" ثلاثمائة ، فهذه ستمائة ، و "ع" سبعين ، و "ص" ستين ، فهذه سبعمائة وثلاثون ، و "ن" خمسين و "ك" عشرين ، فهذه ثمانمائة و "م" أربعين و "ل" ثلاثين ، فهذه ثمانمائة وسبعون ، و "ي" عشرة و "ط" تسعة و "ا" واحدا ، فهذه ثمانمائة وتسعون ، و "ح" ثمانية و "هـ-" خمسة ، فهذه تسعمائة وثلاثة . ولم يسم الله عز وجل في أوائل السور إلا هذه [ ص: 393 ] الحروف ، فليس يبعد أن يكون من بعض مقتضياتها وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين ، لما قدمناه في حديث الألف السابع الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . غير أن الحساب يحتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته ، وكل قريب بعضه من بعض ، فقد جاءت أشراط الساعة ، ولكن لا تأتيكم إلا بغتة .

                                                                                                                                                                                                                              وقد روي أن المتوكل العباسي سأل جعفر بن عبد الواحد القاضي ، وهو عباسي أيضا ، عما بقي من الدنيا ، فحدثه بحديث رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة ، وإن أساءت فنصف يوم" ،

                                                                                                                                                                                                                              ففي هذا الحديث تتميم للحديث المتقدم وبيان له ، إذ قد انقضت الخمسمائة والأمة باقية والحمد لله" . هذا آخر كلام السهيلي ، وفيه مناقشات من "الزهر" و"الفتح" ، مع زيادتها من غيرها .

                                                                                                                                                                                                                              الأولى : قوله : وجدنا في حديث زمل الخزاعي إلخ صوابه : ابن زمل ، وسماه بعضهم :

                                                                                                                                                                                                                              عبد الله ، وبعضهم : الضحاك ، وبعضهم : عبد الرحمن ، وصوب الحافظ في "الإصابة" الأول ، وقوله : الخزاعي صوابه الجهني كما ذكره في "الزهر" .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية : قوله : وإن كان إسناد هذا الحديث ضعيفا . إلخ ، اقتصر على ضعفه ، قال [ابن حجر] في "الفتح" : إسناده ضعيف جدا ، وقال في "الإصابة" : "تفرد برواية [حديثه] سليمان بن عطاء القرشي الحراني عن مسلم بن عبد الله الجهني" . انتهى . قلت : وسليمان بن عطاء . قال الذهبي في "المغني" : "هالك اتهم بالوضع" . وقال الحافظ في "التقريب" : "منكر الحديث" .

                                                                                                                                                                                                                              وأورده ابن الجوزي في الأحاديث الواهية ، ووصف بعض رجاله بوضع الحديث . وقال ابن الأثير : "ألفاظه مصنوعة ملفقة" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عدي عن أنس مرفوعا : "عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة" . وفي سنده "العلاء بن زيدل" وهو المتهم به . ورواه ابن عساكر من طريق أبي علي الحسين بن داود البلخي ، قال الخطيب : "ليس بثقة ، حديثه موضوع" . وقال الحاكم : "روى عن جماعة لا يحتمل سنه السماع منهم ، وله عندهم العجائب يستدل بها على حاله" . وفي سنده أيضا أبو هاشم الأيلي . ورواه الحاكم ، والترمذي الحكيم في نوادره ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفي سنده صالح بن محمد ، عن يعلى بن هلال ، عن ليث بن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة : قوله : "فقد روي موقوفا عن ابن عباس من طرق صحاح" ، قلت : لم أقف له إلا من طريق واحد غير صحيح ، رواه ابن جرير في مقدمة تاريخه ، ومنه أخذ السهيلي من طريق يحيى بن يعقوب وهو أبو طالب القاص الأنصاري ، قال البخاري : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : محله الصدق . وذكره ابن حبان في الثقات وقال : يخطئ . [ ص: 394 ]

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة : ما ذكره في عدد الحروف مبني على طريقة المغاربة : السين بثلاثمائة ، والصاد بستين ، وعند المشارقة : السين ستون والصاد تسعون . فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين ، وقد مضت وزيادة عليها ، فإنه في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة ، فالجملة على ذلك من هذه الحيثية باطلة .

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة : ثبت عن ابن عباس الزجر عن عدد أبي جاد ، والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر . قال الحافظ : "وليس ببعيد ، فإنه لا أصل له في الشريعة" .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة : قال القاضي أبو بكر بن العربي شيخ السهيلي في

                                                                                                                                                                                                                              قوله صلى الله عليه وسلم : "بعثت أنا والساعة كهاتين" ،

                                                                                                                                                                                                                              وأشار بالسبابة والوسطى .
                                                                                                                                                                                                                              قيل : الوسطى تزيد على السبابة بنصف سبع إصبع ، وكذلك الباقي من البعثة إلى قيام الساعة" . قال "وهذا بعيد ، ولا يعلم مقدار الدنيا ، فكيف يتحصل لنا نصف سبع أمد مجهول؟ فالصواب الإعراض عن ذلك" . وقال القاضي في "الإكمال" : "حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى ، وأن جملتها سبعة آلاف سنة ، واستند إلى أخبار لا تصح ، وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخر هذه الأمة نصف يوم ، وفسره بخمسمائة سنة ، فيؤخذ من ذلك نصف سبع ، وهو قريب مما يلي السبابة والوسطى في الطول" . قال : "وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ، ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه" . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد القاضي إلى هذا الحين نحو الأربعمائة سنة . وقال ابن العربي أيضا في فوائد رحلته : "ومن الباطل علم الحروف المقطعة في أوائل السور ، وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ، ولا أعرف أحدا يحكم عليها بعلم ، ولا يصل فيها إلى فهم" إلى آخر ما ذكره . وقد ذكرته مع فوائد أخرى في الكلام على هذه الحروف في كتابي : "القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز" . لا توجد مجموعة في غيره .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة : قال الحافظ : "وأما عدد الحروف ، فإنما جاء عن بعض اليهود ، وعلى تقدير أن يكون ما ذكر في عدد الحروف ، فليحمل على جميع الحروف الواردة ولا يحذف المكرر ، فإنه ما من حرف إلا وله سر يخصه ، أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السور ولو تكررت الحروف فيها ، فإن السور التي ابتدئت بذلك تسع وعشرون سورة ، وعدد حروف الجميع ثمانية وستون حرفا وهي : الم : ستة ، وحم : سبعة ، والر : خمسة ، وطسم : اثنتان والمص وكهيعص وطه وطس ويس وص وق ون . فإذا حذف ما كرر من السور وهي خمس من الم وست من حم ، وأربع من الر وواحدة من طسم ، بقي أربع عشرة سورة عدد حروفها ثمانية وثلاثون حرفا . [ ص: 395 ]

                                                                                                                                                                                                                              فإذا حسبت عددها بالجمل المغربي بلغت ألفين وستمائة وأربعة وعشرين ، وأما بالجمل المشرقي فتبلغ ألفا وسبعمائة وأربعة وخمسين . قال الحافظ : "ولم أذكر ليعتمد عليه ، وإنما ليتبين أن الذي جنح إليه السهيلي لا ينبغي الاعتماد عليه لشدة التخالف فيه" .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة : في جامع معمر عن مجاهد وعكرمة في قوله تعالى : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [المعارج 4] لا يدري كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة : ما نقله عن جعفر بن عبد الواحد ، فهو شيء موضوع لا أصل له ، ولا يعرف إلا من جهته ، وهو مشهور بوضع الحديث عند الأئمة ، مع أنه لم يسبق له سند بذلك ، والعجب من السهيلي كيف سكت عليه مع علمه بحاله . [ ص: 396 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية