الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والكذب بين اثنين أو قبيلتين أو أكثر هو أن ينمي على أحدهما إلى صاحبه خيرا ويبلغه جميلا وإن لم يكن سمعه منه ، يريد بذلك الإصلاح ، أو كان سمع منه كلاما قبيحا فبدله بخير منه ، إذ لو وقف على ذلك لزادت الخصومة بينهما ونشأت العداوة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم { ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو البوائن خيرا } رواه البخاري ومسلم .

( تنبيه ) : ظاهر كلام إمامنا رضي الله عنه والأصحاب جواز الكذب في الصلح بين كافرين كما هو ظاهر الأخبار ، ورواية الإمام أحمد بين مسلمين في الخبر إرسال وفيه شهر مختلف في توثيقه . ثم يحتمل أن بعض الرواة رواه بالمعنى ، وعلى كل فظاهره غير مراد لأنه يجوز للصلح بين كافر ومسلم لحق المسلم كالحكم بينهما ، ثم هو مفهوم اسم وفيه خلاف ، ذكر ذلك في الآداب الكبرى ، ثم حط كلامه بعد الإطالة على المنع بين كافرين أو كفار وجوازه بين كافر ومسلم .

وقال عن قول ابن حزم في كتاب الإجماع : اتفقوا على تحريم الكذب في غير الحرب ، وغير مداراة الرجل امرأته ، أو [ ص: 141 ] إصلاح بين اثنين ، أو دفع مظلمة ، مراده بين اثنين مسلمين أو مسلم وكافر ، والله أعلم . فهذا ما ورد فيه النص ويقاس عليه ما في معناه ككذبه لستر مال غيره عن ظالم ، وإنكاره المعصية للستر عليه أو على غيره ما لم يجاهر الغير بها ، بل يلزمه الستر على نفسه وإلا كان مجاهرا ، اللهم إلا أن يريد إقامة الحد على نفسه كقصة ماعز ، ومع ذلك فالستر أولى ويتوب بينه وبين الله تعالى . وكل ذلك يرجع إلى دفع المضرات .

وقد قدمنا عن الإمام الحافظ بن الجوزي أن ضابط إباحة الكذب أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا به فهو مباح ، وإن كان ذلك المقصود واجبا فهو واجب ، وكذا قال النووي من الشافعية . فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله فلقي رجلا فقال رأيت فلانا فإنه لا يخبر به ويجب عليه الكذب في مثل هذه الحالة . ولو احتاج للحلف في إنجاء معصوم من هلكة .

قال الإمام الموفق لأن إنجاء المعصوم واجب ، كفعل سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا ، فحلفت أنه أخي ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال { صدقت المسلم أخو المسلم } ولكنه والحالة هذه ينبغي له العدول إلى المعاريض ما أمكن لئلا تعتاد نفسه الكذب .

التالي السابق


الخدمات العلمية