الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السابعة : { إلحافا } معناه الشمول بالمسألة إما للناس ، وإما في الأموال ; فيسأل من الناس جماعة ، ويسأل من المال أكثر مما يحتاج إليه وبناء " لحف " للشمول ، ومنه اللحاف ; وهو الثوب الذي يشتمل به ، ونحوه الإلحاح ; يقال : ألحف في المسألة إذا شمل رجالا أو مالا ، وألح فيها إذا كررها .

                                                                                                                                                                                                              وروى المفسرون عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله يحب الحليم الحيي الغني النفس المتعفف ، ويبغض الغني الفاحش البذي السائل الملحف } . ولم يصح لهذا الحديث أصل ، ولا عرف له سند ، لكن روى مسلم عن معاوية قال : [ ص: 319 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تلحفوا في المسألة ، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا كاره فيبارك الله له فيما أعطيته } .

                                                                                                                                                                                                              وروى مالك عن الأسدي أنه قال : { نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد ، فقال لي أهلي : اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئا نأكله ، وجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا أجد ما أعطيك . فولى الرجل عنه وهو مغضب ، وهو يقول : لعمرك إنك لتعطي من شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليغضب علي ألا أجد ما أعطيه ، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا . فقال الأسدي : للقحة لنا خير من أوقية } .

                                                                                                                                                                                                              وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من سأل وله أوقية فهو ملحف } . فتبين بهذا أن الملحف هو الذي يسأل الرجل بعدما رده عن نفسه ، أو يسأل وعنده ما يغنيه عن السؤال ، إلا أن يسأل زائدا على ما عنده ، ويغنيه وهو محتاج إليه ; فذلك جائز .

                                                                                                                                                                                                              وسمعت بجامع الخليفة ببغداد رجلا يقول : هذا أخوكم يحضر الجمعة معكم ، وليس له ثياب يقيم بها سنة الجمعة ، فلما كان في الجمعة الأخرى رأيت عليه ثيابا جددا ، فقيل لي : كساه إياها فلان لأخذ الثناء بها . ويكرر المسألة إذا رده المسئول والسائل يعلم أنه قادر على ما سأله إياه أو جاهل [ ص: 320 ] بحاله ، فيعيد عليه السؤال إعذارا أو إنذارا ثلاثا لا يزيد عليه ، وذلك جائز ، والأفضل تركه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية