الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2144 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال { : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ) .

                                                                                                                                            2145 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق } . رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ) .

                                                                                                                                            2146 - ( وعن بريدة الأسلمي قال : كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها ، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            2147 - ( وعن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا } . رواه أبو داود والنسائي وقال : بكبشين كبشين )

                                                                                                                                            [ ص: 160 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 160 ] حديث عمرو بن شعيب الأول سكت عنه أبو داود . وقال المنذري : في إسناده عمرو بن شعيب وفيه مقال ، يعني : في روايته عن أبيه عن جده ، وقد سلف بيان ذلك . وحديثه الثاني أخرجه الحاكم . وحديث بريدة أخرجه أيضا أحمد والنسائي . قال في التلخيص : وإسناده صحيح انتهى ، وفيه نظر ; لأن في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وقد أخرج نحو حديث بريدة هذا ابن حبان وصححه ، وابن السكن وصححه من حديث عائشة ، والطبراني في الصغير من حديث أنس والبيهقي من حديث فاطمة ، والترمذي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والبيهقي من حديث علي وحديث ابن عباس صححه عبد الحق وابن دقيق العيد . وأخرج نحوه ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عائشة بزيادة يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رءوسهما الأذى .

                                                                                                                                            قوله : ( وكأنه كره الاسم ) وذلك ; لأن العقيقة التي هي الذبيحة والعقوق للأمهات مشتقان من العق الذي هو الشق والقطع ، فقوله صلى الله عليه وسلم لا أحب العقوق بعد سؤاله عن العقيقة للإشارة إلى كراهة اسم العقيقة لما كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم من أحب منكم أن ينسك إرشادا منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة وما وقع منه صلى الله عليه وسلم من قوله : مع الغلام عقيقته ، وكل غلام مرتهن بعقيقته ، ورهينة بعقيقته فمن البيان للمخاطبين بما يعرفونه ; لأن ذلك اللفظ هو المتعارف عند العرب ، ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك لبيان الجواز ، وهو لا ينافي الكراهة التي أشعر بها قوله ( لا أحب العقوق ) .

                                                                                                                                            قوله : ( من أحب منكم ) قد قدمنا أن التفويض إلى المحبة يقتضي رفع الوجوب وصرف ما أشعر به إلى الندب . قوله : ( مكافأتان ) قد تقدم ضبطه وتفسيره . قوله : ( أمر بتسمية المولود ) . . . إلخ فيه مشروعية التسمية في اليوم السابع والرد على من حمل التسمية في حديث سمرة السابق على التسمية عند الذبح .

                                                                                                                                            وفيه أيضا مشروعية وضع الأذى وذبح العقيقة في ذلك اليوم . قوله : ( فلما جاء الله بالإسلام ) . . . إلخ ، فيه دليل على أن تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وأنه منسوخ كما تقدم ، منه في الدلالة على النسخ حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه كما تقدم بلفظ : { فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا } .

                                                                                                                                            قوله : ( ونلطخه بزعفران ) فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق كما في حديث عائشة المذكور . قوله : ( عق عن الحسن والحسين ) فيه دليل على أنه تصح العقيقة من غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه ، وهو يرد ما ذهبت إليه الحنابلة من أنه يتعين الأب إلا أن يموت أو يمتنع .

                                                                                                                                            وروي عن الشافعي أن العقيقة تلزم من تلزمه النفقة ، ويجوز أن يعق الإنسان عن نفسه إن صح ما أخرجه [ ص: 161 ] البيهقي عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة } ولكنه قال : إنه منكر ، وفيه عبد الله بن محرر بمهملات وهو ضعيف جدا كما قال الحافظ : وقال عبد الرزاق : إنما تكلموا فيه لأجل هذا الحديث . قال البيهقي : وروي من وجه آخر عن قتادة عن أنس وليس بشيء . وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن أنس ، وأخرجه أيضا ابن أيمن في مصنفه ، والخلال من طريق عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله عن أنس عن أبيه به . وقال النووي في شرح المهذب : هذا حديث باطل وأخرجه أيضا الطبري والضياء من طريق فيها ضعف .

                                                                                                                                            وقد احتج بحديث أنس هذا من قال : إنها تجوز العقيقة عن الكبير . وقد حكاه ابن رشد عن بعض أهل العلم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية