[ ص: 30 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادي ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إن الذين كفروا ويصدون أعاد الكلام إلى مشركي العرب حين صدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
المسجد الحرام عام
الحديبية ، وذلك أنه لم يعلم لهم صد قبل ذلك الجمع ؛ إلا أن يريد صدهم لأفراد من الناس ، فقد وقع ذلك في صدر المبعث . والصد : المنع ؛ أي وهم يصدون . وبهذا حسن عطف المستقبل على الماضي . وقيل : الواو زائدة ( ويصدون ) خبر ( إن ) . وهذا مفسد للمعنى المقصود ، وإنما الخبر محذوف مقدر عند قوله ( والباد ) تقديره : خسروا إذا هلكوا . وجاء ( ويصدون ) مستقبلا إذ هو فعل يديمونه ؛ كما جاء قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ؛ فكأنه قال : إن الذين كفروا من شأنهم الصد . ولو قال إن الذين كفروا وصدوا لجاز . قال
النحاس : وفي كتابي عن
أبي إسحاق ، قال : وجائز أن يكون - وهو الوجه - الخبر
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نذقه من عذاب أليم . قال
أبو جعفر : وهذا غلط ، ولست أعرف ما الوجه فيه ؛ لأنه جاء بخبر ( إن ) جزما ، وأيضا فإنه جواب الشرط ، ولو كان خبر ( إن ) لبقي الشرط بلا جواب ، ولا سيما والفعل الذي في الشرط مستقبل فلا بد له من جواب .
الثانية :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25والمسجد الحرام قيل : إنه المسجد نفسه ، وهو ظاهر القرآن ؛ لأنه لم يذكر غيره . وقيل : الحرم كله ؛ لأن المشركين صدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عنه عام
الحديبية ، فنزل خارجا عنه ؛ قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25وصدوكم عن المسجد الحرام ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام . وهذا صحيح ، لكنه قصد هنا بالذكر المهم المقصود من ذلك .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25الذي جعلناه للناس أي للصلاة والطواف والعبادة ؛ وهو كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=96إن أول بيت وضع للناس .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سواء العاكف فيه والبادي العاكف :
[ ص: 31 ] المقيم الملازم . والبادي : أهل البادية ومن يقدم عليهم . يقول : سواء في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه الحاضر والذي يأتيه من البلاد ؛ فليس
أهل مكة أحق من النازح إليه . وقيل : إن المساواة إنما هي في دوره ، ومنازله ، ليس المقيم فيها أولى من الطارئ عليها . وهذا على أن
المسجد الحرام الحرم كله ؛ وهذا قول
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ؛ رواه عنه
ابن القاسم . وروي عن
عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وجماعة : إلا أن القادم له النزول حيث وجد ، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى . وقال ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، وغيره ، وكذلك كان الأمر في الصدر الأول ، كانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة ؛ فاتخذ رجل بابا فأنكر عليه
عمر وقال : أتغلق بابا في وجه حاج بيت الله ؟ فقال : إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة ، فتركه فاتخذ الناس الأبواب . وروي عن
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أيضا أنه كان يأمر في الموسم بقلع أبواب دور
مكة ، حتى يدخلها الذي يقدم فينزل حيث شاء ، وكانت الفساطيط تضرب في الدور . وروي عن
مالك أن الدور ليست كالمسجد ولأهلها الامتناع منها والاستبداد ؛ وهذا هو العمل اليوم . وقال بهذا جمهور من الأمة .
وهذا الخلاف يبنى على أصلين : أحدهما أن
nindex.php?page=treesubj&link=27929دور مكة هل هي ملك لأربابها أم للناس . وللخلاف سببان : أحدهما هل فتح
مكة كان عنوة فتكون مغنومة ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسمها وأقرها لأهلها ولمن جاء بعدهم ؛ كما فعل
عمر - رضي الله عنه - بأرض السواد وعفا لهم عن الخراج كما عفا عن سبيهم واسترقاقهم إحسانا إليهم دون سائر الكفار فتبقى على ذلك لا تباع ولا تكرى ، ومن سبق إلى موضع كان أولى به . وبهذا قال
مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي . أو كان فتحها صلحا - وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - فتبقى ديارهم بأيديهم ، وفي أملاكهم يتصرفون كيف شاءوا . وروي عن
عمر أنه اشترى دار
صفوان بن أمية بأربعة آلاف وجعلها سجنا ، وهو أول من حبس في السجن في الإسلام ، على ما تقدم بيانه في آية المحاربين من سورة ( المائدة ) . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500247روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس في تهمة ، . وكان
طاوس يكره السجن
بمكة ويقول : لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة .
قلت : الصحيح ما قاله
مالك ؛ وعليه تدل ظواهر الأخبار الثابتة بأنها فتحت عنوة . قال
أبو عبيد : ولا نعلم
مكة يشبهها شيء من البلاد . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، عن
علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأبو بكر ، وعمر - رضي الله عنهما - وما تدعى رباع
مكة إلا السوائب ؛ من
[ ص: 32 ] احتاج سكن ومن استغنى أسكن . وزاد في رواية :
وعثمان . وروي أيضا عن
علقمة بن نضلة الكناني قال : كانت تدعى بيوت
مكة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر ، وعمر - رضي الله عنهما - السوائب ، لا تباع ؛ من احتاج سكن ومن استغنى أسكن . وروي أيضا عن
عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=863980إن الله تعالى حرم مكة فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها - وقال : من أكل من أجر بيوت مكة شيئا فإنما يأكل نارا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : كذا رواه
أبو حنيفة مرفوعا ، ووهم فيه ، ووهم أيضا في قوله :
عبيد الله بن أبي يزيد ، وإنما هو
ابن أبي زياد القداح ، والصحيح أنه موقوف ، وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أيضا عن
عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500248مكة مناخ لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها . وروى
أبو داود ، عن
عائشة - رضي الله عنها - قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500249قلت : يا رسول الله ؛ ألا أبني لك بمنى بيتا أو بناء يظلك من الشمس ؟ فقال : لا ، إنما هو مناخ من سبق إليه . وتمسك
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم فأضافها إليهم . وقال : عليه السلام - يوم الفتح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500250من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
الرابعة : قرأ جمهور الناس ( سواء ) بالرفع ، وهو على الابتداء ، و ( العاكف ) خبره . وقيل : الخبر ( سواء ) وهو مقدم ؛ أي العاكف فيه والبادي سواء ؛ وهو قول
أبي علي ، والمعنى : الذي جعلناه للناس قبلة أو متعبدا العاكف فيه والبادي سواء . وقرأ
حفص ، عن
عاصم سواء بالنصب ، وهي قراءة
الأعمش . وذلك يحتمل أيضا وجهين : أحدهما : أن يكون مفعولا ثانيا لجعل ، ويرتفع ( العاكف ) به لأنه مصدر ، فأعمل عمل اسم الفاعل لأنه في معنى مستو . والوجه الثاني : أن يكون حالا من الضمير في جعلناه . وقرأت فرقة ( سواء ) بالنصب ( العاكف ) بالخفض ، و ( البادي ) عطفا على الناس ، التقدير : الذي
[ ص: 33 ] جعلناه للناس العاكف والبادي . وقراءة
ابن كثير في الوقف والوصل بالياء ، ووقف
أبو عمرو بغير ياء ووصل بالياء . وقرأ
نافع بغير ياء في الوصل والوقف . وأجمع الناس على الاستواء في نفس
المسجد الحرام ، واختلفوا في
مكة ؛ وقد ذكرناه .
الخامسة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم شرط ، وجوابه
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نذقه من عذاب أليم . والإلحاد في اللغة : الميل ؛ إلا أن الله تعالى بين أن الميل بالظلم هو المراد . واختلف في الظلم ؛ فروى
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم قال : الشرك . وقال
عطاء : الشرك والقتل . وقيل : معناه صيد حمامه ، وقطع شجره ؛ ودخول غير محرم . وقال
ابن عمر : كنا نتحدث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان : لا والله ! وبلى والله ! وكلا والله ! ولذلك كان له فسطاطان ، أحدهما في الحل والآخر في الحرم ؛ فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم ، وإذا أراد بعض شأنه دخل فسطاط الحل صيانة للحرم عن قولهم : كلا والله ، وبلى والله ، حين عظم الله الذنب فيه . وكذلك كان
nindex.php?page=showalam&ids=13لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل ، وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم ، فقيل له في ذلك فقال : إن كنا لنتحدث أن من
nindex.php?page=treesubj&link=33014الإلحاد في الحرم أن نقول : كلا والله ، وبلى والله ،
nindex.php?page=treesubj&link=25519والمعاصي تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات ، فتكون المعصية معصيتين ، إحداهما بنفس المخالفة والثانية بإسقاط حرمة البلد الحرام ؛ وهكذا الأشهر الحرم سواء . وقد تقدم . وروى
أبو داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500251احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه . وهو قول
عمر بن الخطاب . والعموم يأتي على هذا كله .
السادسة : ذهب قوم من أهل التأويل منهم
الضحاك ، وابن زيد إلى أن هذه الآية تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=25519الإنسان يعاقب على ما ينويه من المعاصي بمكة وإن لم يعمله . وقد روي نحو ذلك عن
ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر قالوا : لو هم رجل بقتل رجل بهذا البيت وهو (
بعدن أبين ) لعذبه الله .
قلت : هذا صحيح ، وقد جاء هذا المعنى في سورة
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن والقلم مبينا ، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى .
[ ص: 34 ] السابعة : الباء في ( بإلحاد ) زائدة كزيادتها في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تنبت بالدهن ؛ وعليه حملوا قول الشاعر :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
أراد : نرجو الفرج . وقال
الأعشى :
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
أي رزق : وقال آخر [
قيس بن زهير العبسي ] :
ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد
أي ما لاقت ؛ والباء زائدة ، وهو كثير . وقال
الفراء : سمعت أعرابيا وسألته عن شيء فقال : أرجو بذاك ، أي أرجو ذاك . وقال الشاعر :
بواد يمان ينبت الشث صدره وأسفله بالمرخ والشبهان
أي المرخ . وهو قول
الأخفش ، والمعنى عنده : ومن يرد فيه إلحادا بظلم . وقال الكوفيون : دخلت الباء لأن المعنى بأن يلحد ، والباء مع أن تدخل وتحذف . ويجوز أن يكون التقدير : ومن يرد الناس فيه بإلحاد . وهذا الإلحاد والظلم يجمع المعاصي من الكفر إلى الصغائر ؛ فلعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه . ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلا في
مكة . هذا قول
ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم . وقد ذكرناه آنفا .
[ ص: 30 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ أَعَادَ الْكَلَامَ إِلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ حِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ صَدٌّ قَبْلَ ذَلِكَ الْجَمْعِ ؛ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ صَدَّهُمْ لِأَفْرَادٍ مِنَ النَّاسِ ، فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْمَبْعَثِ . وَالصَّدُّ : الْمَنْعُ ؛ أَيْ وَهُمْ يَصُدُّونَ . وَبِهَذَا حَسُنَ عَطْفُ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي . وَقِيلَ : الْوَاوُ زَائِدَةٌ ( وَيَصُدُّونَ ) خَبَرُ ( إِنَّ ) . وَهَذَا مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ ، وَإِنَّمَا الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ مُقَدَّرٌ عِنْدَ قَوْلِهِ ( وَالْبَادِ ) تَقْدِيرُهُ : خَسِرُوا إِذَا هَلَكُوا . وَجَاءَ ( وَيَصُدُّونَ ) مُسْتَقْبَلًا إِذْ هُوَ فِعْلٌ يُدِيمُونَهُ ؛ كَمَا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ شَأْنِهِمُ الصَّدُّ . وَلَوْ قَالَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا لَجَازَ . قَالَ
النَّحَّاسُ : وَفِي كِتَابِي عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ - وَهُوَ الْوَجْهُ - الْخَبَرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا غَلَطٌ ، وَلَسْتُ أَعْرِفُ مَا الْوَجْهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ بِخَبَرِ ( إِنَّ ) جَزْمًا ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَوَابُ الشَّرْطِ ، وَلَوْ كَانَ خَبَرَ ( إِنَّ ) لَبَقِيَ الشَّرْطُ بِلَا جَوَابٍ ، وَلَا سِيَّمَا وَالْفِعْلُ الَّذِي فِي الشَّرْطِ مُسْتَقْبَلٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ جَوَابٍ .
الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيلَ : إِنَّهُ الْمَسْجِدُ نَفْسُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ . وَقِيلَ : الْحَرَمُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ عَنْهُ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، فَنَزَلَ خَارِجًا عَنْهُ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَهَذَا صَحِيحٌ ، لَكِنَّهُ قَصَدَ هُنَا بِالذِّكْرِ الْمُهِمَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ أَيْ لِلصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالْعِبَادَةِ ؛ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=96إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي الْعَاكِفُ :
[ ص: 31 ] الْمُقِيمُ الْمُلَازِمُ . وَالْبَادِي : أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَمَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ . يَقُولُ : سَوَاءٌ فِي تَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَقَضَاءِ النُّسُكِ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالَّذِي يَأْتِيهِ مِنَ الْبِلَادِ ؛ فَلَيْسَ
أَهْلُ مَكَّةَ أَحَقَّ مِنَ النَّازِحِ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْمُسَاوَاةَ إِنَّمَا هِيَ فِي دُورِهِ ، وَمَنَازِلِهِ ، لَيْسَ الْمُقِيمُ فِيهَا أَوْلَى مِنَ الطَّارِئِ عَلَيْهَا . وَهَذَا عَلَى أَنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الْحَرَمُ كُلُّهُ ؛ وَهَذَا قَوْلُ
مُجَاهِدٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ ؛ رَوَاهُ عَنْهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ . وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ ، nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَجَمَاعَةٍ : إِلَّا أَنَّ الْقَادِمَ لَهُ النُّزُولُ حَيْثُ وُجِدَ ، وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يُؤْوِيَهُ شَاءَ أَوْ أَبَى . وَقَالَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَغَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ، كَانَتْ دُورُهُمْ بِغَيْرِ أَبْوَابٍ حَتَّى كَثُرَتِ السَّرِقَةُ ؛ فَاتَّخَذَ رَجُلٌ بَابًا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ
عُمَرُ وَقَالَ : أَتُغْلِقُ بَابًا فِي وَجْهِ حَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا أَرَدْتُ حِفْظَ مَتَاعِهِمْ مِنَ السَّرِقَةِ ، فَتَرَكَهُ فَاتَّخَذَ النَّاسُ الْأَبْوَابَ . وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ فِي الْمَوْسِمِ بِقَلْعِ أَبْوَابِ دُورِ
مَكَّةَ ، حَتَّى يَدْخُلَهَا الَّذِي يَقْدَمُ فَيَنْزِلُ حَيْثُ شَاءَ ، وَكَانَتِ الْفَسَاطِيطُ تُضْرَبُ فِي الدُّورِ . وَرُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّ الدُّورَ لَيْسَتْ كَالْمَسْجِدِ وَلِأَهْلِهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهَا وَالِاسْتِبْدَادُ ؛ وَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ . وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورٌ مِنَ الْأُمَّةِ .
وَهَذَا الْخِلَافُ يُبْنَى عَلَى أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27929دُورَ مَكَّةَ هَلْ هِيَ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا أَمْ لِلنَّاسِ . وَلِلْخِلَافِ سَبَبَانِ : أَحَدُهُمَا هَلْ فَتْحُ
مَكَّةَ كَانَ عَنْوَةً فَتَكُونُ مَغْنُومَةً ، لَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْسِمْهَا وَأَقَرَّهَا لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ؛ كَمَا فَعَلَ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَرْضِ السَّوَادِ وَعَفَا لَهُمْ عَنِ الْخَرَاجِ كَمَا عَفَا عَنْ سَبْيِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ إِحْسَانًا إِلَيْهِمْ دُونَ سَائِرِ الْكُفَّارِ فَتَبْقَى عَلَى ذَلِكَ لَا تُبَاعُ وَلَا تُكْرَى ، وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ كَانَ أَوْلَى بِهِ . وَبِهَذَا قَالَ
مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ . أَوْ كَانَ فَتْحُهَا صُلْحًا - وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - فَتَبْقَى دِيَارُهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ، وَفِي أَمْلَاكِهِمْ يَتَصَرَّفُونَ كَيْفَ شَاءُوا . وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارَ
صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَجَعَلَهَا سِجْنًا ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَبَسَ فِي السِّجْنِ فِي الْإِسْلَامِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ مِنْ سُورَةِ ( الْمَائِدَةِ ) . وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500247رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ ، . وَكَانَ
طَاوُسٌ يَكْرَهُ السِّجْنَ
بِمَكَّةَ وَيَقُولُ : لَا يَنْبَغِي لِبَيْتِ عَذَابٍ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ رَحْمَةٍ .
قُلْتُ : الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ
مَالِكٌ ؛ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً . قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : وَلَا نَعْلَمُ
مَكَّةَ يُشْبِهُهَا شَيْءٌ مِنَ الْبِلَادِ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ : تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ
مَكَّةَ إِلَّا السَّوَائِبُ ؛ مَنْ
[ ص: 32 ] احْتَاجَ سَكَنَ وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ . وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ :
وَعُثْمَانُ . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ : كَانَتْ تُدْعَى بُيُوتُ
مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - السَّوَائِبَ ، لَا تُبَاعُ ؛ مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=863980إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ فَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَأَكْلُ ثَمَنِهَا - وَقَالَ : مَنْ أَكَلَ مِنْ أَجْرِ بُيُوتِ مَكَّةَ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ : كَذَا رَوَاهُ
أَبُو حَنِيفَةَ مَرْفُوعًا ، وَوَهِمَ فِيهِ ، وَوَهِمَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ :
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ ، وَإِنَّمَا هُوَ
ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ ، وَأَسْنَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500248مَكَّةُ مُنَاخٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا . وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500249قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَلَا أَبْنِي لَكَ بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ ؟ فَقَالَ : لَا ، إِنَّمَا هُوَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ . وَتَمَسَّكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فَأَضَافَهَا إِلَيْهِمْ . وَقَالَ : عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ الْفَتْحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500250مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ .
الرَّابِعَةُ : قَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ ( سَوَاءٌ ) بِالرَّفْعِ ، وَهُوَ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَ ( الْعَاكِفُ ) خَبَرُهُ . وَقِيلَ : الْخَبَرُ ( سَوَاءٌ ) وَهُوَ مُقَدَّمٌ ؛ أَيِ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي سَوَاءٌ ؛ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عَلِيٍّ ، وَالْمَعْنَى : الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ قِبْلَةً أَوْ مُتَعَبَّدًا الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي سَوَاءٌ . وَقَرَأَ
حَفْصٌ ، عَنْ
عَاصِمٍ سَوَاءً بِالنَّصْبِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
الْأَعْمَشِ . وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِجَعَلَ ، وَيَرْتَفِعُ ( الْعَاكِفُ ) بِهِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ ، فَأُعْمِلَ عَمَلَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مُسْتَوٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي جَعَلْنَاهُ . وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ ( سَوَاءً ) بِالنَّصْبِ ( الْعَاكِفِ ) بِالْخَفْضِ ، وَ ( الْبَادِي ) عَطْفًا عَلَى النَّاسِ ، التَّقْدِيرُ : الَّذِي
[ ص: 33 ] جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ الْعَاكِفِ وَالْبَادِي . وَقِرَاءَةُ
ابْنِ كَثِيرٍ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ بِالْيَاءِ ، وَوَقَفَ
أَبُو عَمْرٍو بِغَيْرِ يَاءٍ وَوَصَلَ بِالْيَاءِ . وَقَرَأَ
نَافِعٌ بِغَيْرِ يَاءٍ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ . وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي نَفْسِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي
مَكَّةَ ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ شَرْطٌ ، وَجَوَابُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَالْإِلْحَادُ فِي اللُّغَةِ : الْمَيْلُ ؛ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْمَيْلَ بِالظُّلْمِ هُوَ الْمُرَادُ . وَاخْتُلِفَ فِي الظُّلْمِ ؛ فَرَوَى
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ قَالَ : الشِّرْكُ . وَقَالَ
عَطَاءٌ : الشِّرْكُ وَالْقَتْلُ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ صَيْدُ حَمَامِهِ ، وَقَطْعُ شَجَرِهِ ؛ وَدُخُولُ غَيْرِ مُحْرِمٍ . وَقَالَ
ابْنُ عُمَرَ : كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْإِلْحَادَ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ : لَا وَاللَّهِ ! وَبَلَى وَاللَّهِ ! وَكَلَّا وَاللَّهِ ! وَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ فُسْطَاطَانِ ، أَحَدُهُمَا فِي الْحِلِّ وَالْآخَرُ فِي الْحَرَمِ ؛ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ دَخَلَ فُسْطَاطَ الْحَرَمِ ، وَإِذَا أَرَادَ بَعْضَ شَأْنِهِ دَخَلَ فُسْطَاطَ الْحِلِّ صِيَانَةً لِلْحَرَمِ عَنْ قَوْلِهِمْ : كَلَّا وَاللَّهِ ، وَبَلَى وَاللَّهِ ، حِينَ عَظَّمَ اللَّهُ الذَّنْبَ فِيهِ . وَكَذَلِكَ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فُسْطَاطَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْحِلِّ وَالْآخَرُ فِي الْحَرَمِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَهْلَهُ عَاتَبَهُمْ فِي الْحِلِّ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَّى فِي الْحَرَمِ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إِنْ كُنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33014الْإِلْحَادِ فِي الْحَرَمِ أَنْ نَقُولَ : كَلَّا وَاللَّهِ ، وَبَلَى وَاللَّهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=25519وَالْمَعَاصِي تُضَاعَفُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ ، فَتَكُونُ الْمَعْصِيَةُ مَعْصِيَتَيْنِ ، إِحْدَاهُمَا بِنَفْسِ الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِيَةُ بِإِسْقَاطِ حُرْمَةِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ ؛ وَهَكَذَا الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ سَوَاءٌ . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=120يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500251احْتِكَارُ الطَّعَامِ فِي الْحَرَمِ إِلْحَادٌ فِيهِ . وَهُوَ قَوْلُ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . وَالْعُمُومُ يَأْتِي عَلَى هَذَا كُلِّهِ .
السَّادِسَةُ : ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنْهُمُ
الضَّحَّاكُ ، وَابْنُ زَيْدٍ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25519الْإِنْسَانَ يُعَاقَبُ عَلَى مَا يَنْوِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي بِمَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهُ . وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ قَالُوا : لَوْ هَمَّ رَجُلٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِهَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ (
بِعَدَنِ أَبْيَنَ ) لَعَذَّبَهُ اللَّهُ .
قُلْتُ : هَذَا صَحِيحٌ ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن وَالْقَلَمِ مُبَيَّنًا ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
[ ص: 34 ] السَّابِعَةُ : الْبَاءُ فِي ( بِإِلْحَادٍ ) زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ؛ وَعَلَيْهِ حَمَلُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ :
نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصْحَابُ الْفَلَجْ نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجْ
أَرَادَ : نَرْجُو الْفَرَجَ . وَقَالَ
الْأَعْشَى :
ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا
أَيْ رِزْقَ : وَقَالَ آخَرُ [
قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيُّ ] :
أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ
أَيْ مَا لَاقَتْ ؛ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ ، وَهُوَ كَثِيرٌ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا وَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ : أَرْجُو بِذَاكَ ، أَيْ أَرْجُو ذَاكَ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ وَأَسْفَلُهُ بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ
أَيِ الْمَرْخُ . وَهُوَ قَوْلُ
الْأَخْفَشِ ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : دَخَلَتِ الْبَاءُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِأَنْ يُلْحِدَ ، وَالْبَاءُ مَعَ أَنْ تَدْخُلُ وَتُحْذَفُ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : وَمَنْ يُرِدِ النَّاسَ فِيهِ بِإِلْحَادٍ . وَهَذَا الْإِلْحَادُ وَالظُّلْمُ يَجْمَعُ الْمَعَاصِيَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الصَّغَائِرِ ؛ فَلِعِظَمِ حُرْمَةِ الْمَكَانِ تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نِيَّةِ السَّيِّئَةِ فِيهِ . وَمَنْ نَوَى سَيِّئَةً وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يُحَاسَبْ عَلَيْهَا إِلَّا فِي
مَكَّةَ . هَذَا قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا .