الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 426 ] القول في تأويل قوله ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ( 173 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : فأما المؤمنون المقرون بوحدانية الله ، الخاضعون له بالطاعة ، المتذللون له بالعبودية ، والعاملون الصالحات من الأعمال ، وذلك : أن يردوا على ربهم قد آمنوا به وبرسله ، وعملوا بما أتاهم به رسله من عند ربهم ، من فعل ما أمرهم به ، واجتناب ما أمرهم باجتنابه" فيوفيهم أجورهم " ، يقول : فيؤتيهم جزاء أعمالهم الصالحة وافيا تاما " ويزيدهم من فضله " ، يعني جل ثناؤه : ويزيدهم على ما وعدهم من الجزاء على أعمالهم الصالحة والثواب عليها ، من الفضل والزيادة ما لم يعرفهم مبلغه ، ولم يحد لهم منتهاه . وذلك أن الله وعد من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة الواحدة عشر أمثالها من الثواب والجزاء . فذلك هو أجر كل عامل على عمله الصالح من أهل الإيمان المحدود مبلغه ، والزيادة على ذلك تفضل من الله عليهم ، وإن كان كل ذلك من فضله على عباده . غير أن الذي وعد عباده المؤمنين أن يوفيهم فلا ينقصهم من الثواب على أعمالهم الصالحة ، هو ما حد مبلغه من العشر ، والزيادة على ذلك غير محدود مبلغها ، فيزيد من شاء من خلقه على ذلك قدر ما يشاء ، لا حد لقدره يوقف عليه .

وقد قال بعضهم : الزيادة إلى سبعمائة ضعف .

وقال آخرون : إلى ألفين .

[ ص: 427 ]

وقد ذكرت اختلاف المختلفين في ذلك فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : " وأما الذين استنكفوا واستكبروا " ، فإنه يعني : وأما الذين تعظموا عن الإقرار لله بالعبودة ، والإذعان له بالطاعة ، واستكبروا عن التذلل لألوهته وعبادته ، وتسليم الربوبية والوحدانية له" فيعذبهم عذابا أليما " ، يعني : عذابا موجعا" ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " ، يقول : ولا يجد المستنكفون من عبادته والمستكبرون عنها ، إذا عذبهم الله الأليم من عذابه ، سوى الله لأنفسهم وليا ينجيهم من عذابه وينقذهم منه"ولا نصيرا" ، يعني : ولا ناصرا ينصرهم فيستنقذهم من ربهم ، ويدفع عنهم بقوته ما أحل بهم من نقمته ، كالذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدنيا في الدنيا بسوء ، من نصرتهم والمدافعة عنهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية