الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : " فالق الإصباح " شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده .

و " الإصباح " مصدر من قول القائل : " أصبحنا إصباحا " . [ ص: 555 ]

وبنحو ما قلنا في ذلك قال عامة أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

13595 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : " فالق الإصباح " قال : إضاءة الصبح .

13596 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فالق الإصباح " قال : إضاءة الفجر .

13597 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

13598 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فالق الإصباح " قال : فالق الصبح .

13599 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " فالق الإصباح " يعني بالإصباح ، ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل .

13600 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : " فالق الإصباح " قال : فالق الصبح .

13601 - حدثنا به ابن حميد مرة بهذا الإسناد ، عن مجاهد فقال في قوله : " فالق الإصباح " قال : إضاءة الصبح .

13602 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد ، في قوله : " فالق الإصباح " قال : فلق الإصباح عن الليل .

13603 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " فالق الإصباح " يقول : خالق النور ، نور النهار . [ ص: 556 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : خالق الليل والنهار .

ذكر من قال ذلك :

13604 - حدثنا محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : ( فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ) ، يقول : خلق الليل والنهار .

وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ : ( فالق الأصباح ) ، بفتح الألف ، كأنه تأول ذلك بمعنى جمع " صبح " كأنه أراد صبح كل يوم ، فجعله " أصباحا " ولم يبلغنا عن أحد سواه أنه قرأ كذلك . والقراءة التي لا نستجيز تعديها ، بكسر الألف : ( فالق الإصباح ) ، لإجماع الحجة من القرأة وأهل التأويل على صحة ذلك ورفض خلافه .

وأما قوله : " وجاعل الليل سكنا " فإن القرأة اختلفت في قراءته .

فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض البصريين : ( وجاعل الليل ) بالألف على لفظ الاسم ، ورفعه عطفا على " فالق " وخفض " الليل " بإضافة " جاعل " إليه ، ونصب " الشمس والقمر " عطفا على موضع " الليل " لأن " الليل " وإن كان مخفوضا في اللفظ ، فإنه في موضع النصب ، لأنه مفعول " جاعل " . وحسن عطف ذلك على معنى " الليل " لا على لفظه ، لدخول قوله : " سكنا " بينه وبين " الليل " قال الشاعر :


قعودا لدى الأبواب طلاب حاجة عوان من الحاجات أو حاجة بكرا

[ ص: 557 ]

فنصب " الحاجة " الثانية ، عطفا بها على معنى " الحاجة " الأولى ، لا على لفظها ، لأن معناها النصب ، وإن كانت في اللفظ خفضا . وقد يجيء مثل هذا أيضا معطوفا بالثاني على معنى الذي قبله لا على لفظه ، وإن لم يكن بينهما حائل ، كما قال بعضهم :


بينا نحن ننظره أتانا     معلق شكوة وزناد راع



وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( وجعل الليل سكنا والشمس ) ، على " فعل " بمعنى الفعل الماضي ، ونصب " الليل " .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، متفقتا المعنى ، غير مختلفتيه ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب في الإعراب والمعنى .

وأخبر جل ثناؤه أنه جعل الليل سكنا ، لأنه يسكن فيه كل متحرك بالنهار ، ويهدأ فيه ، فيستقر في مسكنه ومأواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية