الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب التقنع وقال ابن عباس خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة دسماء وقال أنس عصب النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه حاشية برد

                                                                                                                                                                                                        5470 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت هاجر ناس إلى الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر مهاجرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر أو ترجوه بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر قال عروة قالت عائشة فبينا نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة فقال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر فدا لك أبي وأمي والله إن جاء به في هذه الساعة إلا لأمر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر أخرج من عندك قال إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج قال فالصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال نعم قال فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال النبي صلى الله عليه وسلم بالثمن قالت فجهزناهما أحث الجهاز وضعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكأت به الجراب ولذلك كانت تسمى ذات النطاق ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيرحل من عندهما سحرا فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب التقنع ) بقاف ونون ثقيلة ، وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه عصابة دسماء ) هذا طرف من حديث مسند عنده في مواضع منها في مناقب الأنصار في " باب اقبلوا من محسنهم " ومن طريق عكرمة " سمعت ابن عباس يقول : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء " [ ص: 286 ] الحديث ، والدسماء بمهملتين والمد ضد النظيفة وقد يكون ذلك لونها في الأصل ، ويؤيده أنه وقع في رواية أخرى " عصابة سوداء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أنس : عصب النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأسه حاشية برد ) هو أيضا طرف من حديث أخرجه في الباب المذكور من طريق هشام بن زيد بن أنس " سمعت أنس بن مالك يقول " فذكر الحديث وفيه " فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عصب على رأسه حاشية برد " .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر حديث عائشة في شأن الهجرة بطوله ، وقد تقدم في السيرة النبوية أتم منه وتقدم شرحه مستوفى ، والغرض منه قوله : " قال قائل لأبي بكر . هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها " وقوله فيه : " فدا لك " في رواية الكشميهني " فدا له " وقوله " إن جاء به في هذه الساعة لأمر " بفتح اللام وبالتنوين مرفوعا واللام للتأكيد لأن " إن " الساكنة مخففة من الثقيلة ، وللكشميهني " إلا لأمر " و " إن " على هذا نافية . وقوله : " أحث " بمهملة ثم مثلثة ثقيلة ، في رواية الكشميهني " أحب " بموحدة وأظنه تصحيفا . وقوله : " ويرعى عليهما عامر بن فهيرة منحة من غنم فيريحه " أي يريح الذي يرعاه ، وللكشميهني " فيريحها " وقوله : " في رسلهما " بالتثنية في رواية الكشميهني " في رسلها " وكذا القول في قوله : " حتى ينعق بهما " عنده " بها " قال الإسماعيلي : ما ذكر من العصابة لا يدخل في التقنع فالتقنع تغطية الرأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة . قلت : الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرأس فوق العمامة والله أعلم . ونازع ابن القيم في " كتاب الهدى " من استدل بحديث التقنع على مشروعية لبس الطيلسان بأن التقنع غير التطيلس ، وجزم بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يلبس الطيلسان ولا أحد من أصحابه . ثم على تقدير أن يؤخذ من التقنع بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتقنع إلا لحاجة ويرد عليه حديث أنس " كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر القناع " وقد ثبت أنه قال : من تشبه بقوم فهو منهم كما تقدم معلقا في كتاب الجهاد من حديث ابن عمر ووصله أبو داود ، وعند الترمذي من حديث أنس ليس منا من تشبه بغيرنا وقد ثبت عند مسلم من حديث النواس بن سمعان في قصة الدجال يتبعه اليهود وعليهم الطيالسة وفي حديث أنس أنه رأى قوما عليهم الطيالسة فقال : " كأنهم يهود خيبر " وعورض بما أخرجه ابن سعد بسند مرسل " وصف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطيلسان فقال : هذا ثوب لا يؤدى شكره " أخرجه [1] وإنما يصلح الاستدلال بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعارهم ، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة فصار داخلا في عموم المباح ، وقد ذكره ابن عبد السلام في أمثلة البدعة المباحة ، وقد يصير من شعائر قوم فيصير تركه من الإخلال بالمروءة كما نبه عليه الفقهاء أن الشيء قد يكون [2] لقوم وتركه بالعكس ، ومثل ابن الرفعة ذلك بالسوقي والفقيه في الطيلسان .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية