الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3017 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا وقال يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه فقال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم قال إلا الإذخر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        رابعها حديث ابن عباس لا هجرة بعد الفتح ساقه بتمامه ، وقد تقدم شرحه في أواخر الجهاد وباقيه في الحج ، وفي تعلقه بالترجمة غموض ، قال ابن بطال : وجهه أن محارم الله عهوده إلى عباده ، فمن انتهك منها شيئا كان غادرا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أمن الناس ، ثم أخبر أن القتال بمكة حرام ، فأشار إلى أنهم آمنون من أن يغدر بهم أحد فيما حصل لهم من الأمان . وقال ابن المنير : وجهه أن النص على أن مكة اختصت بالحرمة إلا في الساعة المستثناة لا يختص بالمؤمن البر فيها ، إذ كل بقعة كذلك ، فدل على أنها اختصت بما هو أعم من ذلك .

                                                                                                                                                                                                        وقال الكرماني : يمكن أن يؤخذ من قوله وإذا استنفرتم فانفروا إذ معناه لا تغدروا بالأئمة ولا تخالفوهم ، لأن إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر ، أو أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغدر باستحلال القتال بمكة ، بل كان بإحلال الله له ساعة ، ولولا ذلك لما جاز له . قلت : ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع من سبب الفتح الذي ذكر في الحديث وهو غدر قريش بخزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم لما تحاربوا مع بني بكر حلفاء قريش ، فأمدت قريش بني بكر وأعانوهم على خزاعة وبيتوهم فقتلوا منهم جماعة ; وفي ذلك يقول شاعرهم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم :

                                                                                                                                                                                                        إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا

                                                                                                                                                                                                        وسيأتي شرح ذلك في المغازي مفصلا ، فكان عاقبة نقض قريش العهد بما فعلوه أن غزاهم المسلمون حتى فتحوا مكة واضطروا إلى طلب الأمان وصاروا بعد العز والقوة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام [ ص: 329 ] وأكثرهم لذلك كاره ، ولعله أشار بقوله في الترجمة " بالبر " إلى المسلمين " وبالفاجر " إلى خزاعة لأن أكثرهم إذ ذاك لم يكن أسلم بعد ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        ( خاتمة ) :

                                                                                                                                                                                                        اشتملت أحاديث فرض الخمس والجزية والموادعة - وهي في التحقيق بقايا الجهاد ، وإنما أفردها زيادة في الإيضاح ، كما أفردت العمرة وجزاء الصيد من كتاب الحج - من الأحاديث المرفوعة على مائة وستة عشر حديثا ، المعلق منها سبعة عشر طريقا والبقية موصولة ، المكرر منها فيها وفيما مضى سبعة وستون حديثا والبقية خالصة ، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في صفة نقش الخاتم ، وحديثه في النعلين ، وحديثه في القدح ، وحديث أبي هريرة " ما أعطيكم ولا أمنعكم " وحديث خولة " إن رجالا يخوضون " وحديث تركة الزبير وحديث سؤال هوازن من طريق عمرو بن شعيب ، وحديث إعطاء جابر من تمر خيبر ، وحديث ابن عمر " لم يعتمر من الجعرانة " ، وحديثه " كنا نصيب في مغازينا العسل " فهذه في الخمس ، وحديث عبد الرحمن بن عوف في المجوس ، وحديث عمر فيه ، وحديث ابن عمرو " من قتل معاهدا " وحديث ابن شهاب فيمن سحر ، وحديث عوف في الملاحم ، وحديث أبي هريرة كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما ؟ وفيها من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم عشرون أثرا . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية