الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                91 وحدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن أبان بن تغلب عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ) فقد اختلف في تأويله . فذكر الخطابي فيه وجهين أحدهما : أن المراد التكبر عن الإيمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلا إذا مات عليه . والثاني أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة ، كما قال الله تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل وهذان التأويلان فيهما بعد فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس ، واحتقارهم ، ودفع الحق ، فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب . بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه . وقيل : هذا جزاؤه لو جازاه ، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه ، بل لا بد أن [ ص: 270 ] يدخل كل الموحدين الجنة إما أولا ، وإما ثانيا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها . وقيل : لا يدخل مع المتقين أول وهلة .

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ) فالمراد به دخول الكفار وهو دخول الخلود . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( مثقال حبة ) هو على ما تقدم وتقرر من زيادة الإيمان ونقصه .

                                                                                                                وأما قوله : ( قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ) فهذا الرجل هو مالك بن مرارة الرهاوي ، قاله القاضي عياض ، وأشار إليه أبو عمر بن عبد البر ، رحمهما الله . وقد جمع أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الحافظ في اسمه أقوالا من جهات ، فقال : هو أبو ريحانة ، واسمه شمعون ، ذكره ابن الأعرابي . وقال علي بن المديني في الطبقات : اسمه ربيعة بن عامر ، وقيل سواد بالتخفيف ابن عمر وذكره ابن السكن . وقيل : معاذ بن جبل . ذكره ابن أبي الدنيا في ( كتاب الخمول والتواضع ) ، وقيل : مالك بن مرارة الرهاوي ذكره أبو عبيد في ( غريب الحديث ) ، وقيل : عبد الله بن عمرو بن العاصي ذكره معمر في ( جامعه ) ، وقيل : خريم بن فاتك . هذا ما ذكره ابن بشكوال . وقولهم : ابن مرارة الرهاوي : هو ( مرارة ) بضم الميم وبراء مكررة وآخرها هاء ، ( والرهاوي ) هنا نسبة إلى قبيلة : ذكره الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري بفتح الراء ولم يذكره ابن ماكولا . وذكر الجوهري في ( صحاحه ) أن الرهاوي نسبة إلى ( رها ) بضم الراء حي من مذحج . وأما ( شمعون ) فبالعين المهملة وبالمعجمة والشين معجمة فيهما . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية