الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1627 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئا نأكله فجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول لعمري إنك لتعطي من شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب علي أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية والأوقية أربعون درهما قال فرجعت ولم أسأله فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير وزبيب فقسم لنا منه أو كما قال حتى أغنانا الله عز وجل قال أبو داود هكذا رواه الثوري كما قال مالك

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن رجل من بني أسد ) : إبهام الصحابي لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول ( فتولى ) : بتشديد اللام أي أدبر ( وهو مغضب ) : بفتح الضاد أي موقع في الغضب ( إنك لتعطي من شئت ) : أي لا تعطي في المصارف وإنما تتبع فيه مشيئتك ( أن لا أجد ) : أي لأجل أن لا أجد ( وله أوقية ) : بضم الهمزة وتشديد الياء أي أربعون درهما ( أو عدلها ) : بكسر العين ويفتح أي ما يساويها من ذهب ومال آخر .

                                                                      قال الخطابي : أو عدلها يريد قيمتها ، يقال هذا عدل الشيء أي ما يساويه في القيمة ، وهذا عدله بكسر العين أي نظيره ومثاله في الصورة والهيئة . والأوقية عند أهل الحجاز أربعون درهما . وذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في تحديد الغنى إلى هذا الحديث ، وزعم أن من وجد أربعين درهما حرمت عليه الصدقة . وذهب قوم من أهل العلم إلى تحديد الغنى التي تحرم معه الصدقة بخمسين درهما ، ورأوه حدا في غنى من تحرم عليه الصدقة منهم سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبى القول به آخرون ، وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحيى بن آدم قالوا : وليس الحديث أن من ملك خمسين درهما لم تحل له الصدقة ، إنما فيه كره له المسألة فقط ، وذلك أن المسألة إنما تكون مع الضرورة ولا ضرورة لمن يجد ما يكفيه في وقته إلى المسألة . وقال مالك والشافعي : لا حد للغني معلوم توسعة وطاقة ، فإذا اكتفى بما عنده [ ص: 26 ] حرمت عليه الصدقة وإذا احتاج حلت له . قال الشافعي : قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع كسب ، ولا يغنيه الألف مع ضعف في نفسه وكثرة عياله . وجعل أبو حنيفة وأصحابه الحد فيه مائتي درهم وهو النصاب الذي تجب فيه الزكاة انتهى كلام الخطابي .

                                                                      ( فقد سأل إلحافا ) : أي إلحاحا وإسرافا من غير اضطرار ( للقحة ) : بفتح اللام على أنها لام ابتداء ، واللقحة بفتح اللام أو كسرها الناقة القريبة العهد بالنتاج أو التي هي ذات لبن ( والأوقية أربعون درهما ) : هذا مدرج من قول مالك بن أنس كما صرح بذلك ابن الجارود في روايته في المنتقى ( أو كما قال ) : شك الراوي في قول الأسدي . والحديث أخرجه النسائي قاله المنذري ( هكذا رواه الثوري كما قال مالك ) : يشبه أن يكون المعنى أن هذا المتن أي قوله من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ، هكذا رواه مالك وسفيان الثوري كلاهما عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد .

                                                                      وأما عبد الرحمن بن أبي الرجال فروى هذا المتن بسند آخر من حديث أبي سعيد الخدري كما يأتي بعد ذلك ، وأما المتن : " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة كما يجيء في باب من يجوز له أخذ الصدقة " فقد رواه مالك وسفيان بن عيينة بهذا السند أي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ، وهكذا رواه سفيان الثوري مرسلا ، لكن قال عن زيد بن أسلم . حدثني الثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأما معمر فروى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - موصولا ، والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية