الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في تقليم الأظفار

                                                                                                          2756 حدثنا الحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الفطرة الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( خمس من الفطرة ) قال في النهاية : أي من السنة ، يعني سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم ، وقال في مجمع البحار : أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم السلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه ، منها : قص الشارب . فسبحانه . ! ما أسخف عقول قوم طولوا الشارب وأحفوا اللحية عكس ما عليه فطرة جميع الأمم قد بدلوا فطرتهم نعوذ بالله ، انتهى . ويسوغ الابتداء بالنكرة أن قوله " خمس " صفة موصوف محذوف ، والتقدير : خصال خمس ، ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال ، ويجوز أن تكون الجملة خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : الذي شرع لكم خمس من الفطرة ( الاستحداد ) أي حلق العانة ، سمي [ ص: 28 ] استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة ، والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه الحلق ويجوز بالقص والنتف والنورة ، والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه ، وكذلك الشعر الذي حول فرج المرأة ، ونقل عن أبي العباس بن سريج : أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر ، فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما ( والختان ) بكسر المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع ، والختن بفتح ثم سكون : قطع بعض مخصوص عن عضو مخصوص ، والختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان أيضا كما في حديث عائشة : إذا التقى الختانان . والأول المراد به هنا . قال الماوردي : ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة ، والمستحب أن يستوعب من أصلها عند أول الحشفة ، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة .

                                                                                                          وقال إمام الحرمين : المستحق في الرجال قطع القلفة ، وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل . وقال ابن الصباغ : حتى تنكشف جميع الحشفة . قال الإمام : والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم . قال الماوردي : ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله . وقد أخرج أبو داود من حديث أم عطية : أن امرأة كانت تختن بالمدينة ، فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة ، وقال إنه ليس بالقوي . قال الحافظ : له شاهدان من حديث أنس ، ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي .

                                                                                                          واختلف في وقت الختان ، فذهب الجمهور إلى أن مدة الختان لا تختص بوقت معين وليس بواجب في حالة الصغر ، واستدل لهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم متفق عليه ، إلا أن مسلما لم يذكر السنين وللشافعية وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ، ويرده ما رواه البخاري عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس ، مثل من أنت حين قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : أنا يومئذ مختون ، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك . ولهم أيضا وجه أنه يحرم قبل عشر سنين ، ويرده حديث : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما . أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة ، وأخرجه البيهقي من حديث جابر ، قال النووي بعد أن ذكر هذين الوجهين : وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختتن في اليوم السابع من ولادته ، وهل يحسب يوم الولادة من السبع أو يكون سبعة سواه؟ فيه وجهان : أظهرهما يحسب . انتهى . وفي هذه المسألة أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح .

                                                                                                          [ ص: 29 ] واختلف في أن الختان واجب أو سنة ! قال الحافظ في الفتح : قد ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه ، وقال به من القدماء عطاء حتى قال : لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختتن . وعن أحمد وبعض المالكية يجب . وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه . وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغني عن أحمد ، وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية أنه ليس بواجب .

                                                                                                          واحتج القائلون بالوجوب بروايات لا يخلو واحدة منها عن مقال ، وقد ذكرها الشوكاني في النيل مع الكلام عليها ثم قال : والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة كما في حديث : خمس من الفطرة . والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه . انتهى . ( وقص الشارب ) أي قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال ، وسيأتي الكلام في هذه المسألة مفصلا بعد باب (ونتف الإبط ) بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو المشهور وصوبه الجواليقي وهو يذكر ويؤنث ، وتأبط الشيء وضعه الشيء تحت إبطه والمستحب البداءة فيه باليمنى ، ويتأدى أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف ، وقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى قال : دخلت على الشافعي ورجل يحلق إبطه فقال : إني علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع . قال الغزالي : هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده . قال والحق كاف لأن المقصود النظافة ، وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج ، فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به ، بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه ، فتكثر الرائحة لذلك ، وقال ابن دقيق العيد : من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل ، لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى ، فذكر نحو ما تقدم ، قال وهو معنى ظاهر لا يهمل ، فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسبا يحتمل أن يكون مقصودا في الحكم لا يترك ، والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور لكنه يرق الجلد ، فقد يتأذى صاحبه به ولا سيما إن كان جلده رقيقا ، وتستحب البداءة في إزالته باليد اليمنى ويزيل ما في اليمنى بأصابع اليسرى ، وكذا اليسرى إن أمكن وإلا فباليمنى ( وتقليم الأظفار ) هو تفعيل من القلم وهو القطع ، والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء وبسكونها ، والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر ; لأن الوسخ يجتمع فيه فيستقذر ، وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة . قال الحافظ : لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث لكن جزم النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة بمسبحة اليمنى ثم بالوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم [ ص: 30 ] الإبهام ، وفي اليسرى بالبداءة بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام . ويبدأ في الرجلين بخنصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر ، ولم يذكر للاستحباب مستندا . انتهى كلام الحافظ وقد بسط الكلام في هذا المقام بسطا حسنا .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية