الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 294 ] فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا

تفريع على الاختلاف في عدد أهل الكهف ، أي إذا أراد بعض المشركين المماراة في عدة أهل الكهف لأخبار تلقوها من أهل الكتاب ، أو لأجل طلب تحقيق عدتهم ، فلا تمارهم ; إذ هو اشتغال بما ليس فيه جدوى ، وهذا التفريع ، وما عطف عليه معترض في أثناء القصة .

والتماري : تفاعل مشتق من المرية ، وهي الشك ، واشتقاق المفاعلة يدل على أنها إيقاع من الجانبين في الشك ، فيئول إلى معنى المجادلة في المعتقد لإبطاله ، وهو يفضي إلى الشك فيه ، فأطلق المراء على المجادلة بطريق المجاز ، ثم شاع فصار حقيقة لما ساوى الحقيقة ، والمراد بالمراء فيهم : المراء في عدتهم كما هو مقتضى التفريع .

والمراء الظاهر : هو الذي لا سبيل إلى إنكاره ، ولا يطول الخوض فيه ، وذلك مثل قوله قل ربي أعلم بعدتهم وقوله ما يعلمهم إلا قليل ، فإن هذا مما لا سبيل إلى إنكاره وإبايته ; لوضوح حجته ، وما وراء ذلك محتاج إلى الحجة ، فلا ينبغي الاشتغال به ; لقلة جدواه .

والاستفتاء : طلب الفتوى ، وهي الخبر عن أمر علمي مما لا يعلمه كل أحد ، ومعنى " فيهم " أي : في أمرهم ، أي أمر أهل الكهف ، والمراد من النهي عن استفتائهم الكناية عن جهلهم بأمر أهل الكهف ، فضمير " منهم " عائد إلى ما عاد إليه ضمير سيقولون ثلاثة ، وهم أهل مكة الذين سألوا عن أمر أهل الكهف .

أو يكون كناية رمزية عن حصول علم النبيء صلى الله عليه وسلم بحقيقة أمرهم بحيث هو غني عن استفتاء أحد ، وأنه لا يعلم المشركين بما علمه الله من شأن أهل الكهف ، وتكون ( من ) تعليلية ، والضمير المجرور بها عائدا إلى السائلين [ ص: 295 ] المتعنتين ، أي لا تسأل علم ذلك من أجل حرص السائلين على أن تعلمهم بيقين أمر أهل الكهف ، فإنك علمته ، ولم تؤمر بتعليمهم إياه ، ولو لم يحمل النهي على هذا المعنى لم يتضح له وجه ، وفي التقييد بـ " منهم " محترز ، ولا يستقيم جعل ضمير " منهم " عائدا إلى أهل الكتاب ; لأن هذه الآيات مكية باتفاق الرواة والمفسرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية