الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون .

قال الزجاج والزمخشري وغيرهما : انتصب ( إذ ) بفعل مضمر تقديره : اذكر ، أي : أن ( إذ ) مجرد عن الظرفية مستعمل بمعنى مطلق الوقت ، ونصبه على المفعول به ، أي : اذكر قصة زمن قال موسى لأهله ، يعني أنه جار على طريقة وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .

فالجملة استئناف ابتدائي . ومناسبة موقعها إفادة تنظير تلقي النبيء صلى الله عليه وسلم القرآن بتلقي موسى عليه السلام كلام الله إذ نودي يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم .

وذلك من بديع التخلص إلى ذكر قصص هؤلاء الأنبياء عقب التنويه بالقرآن ، وأنه من لدن حكيم عليم . والمعنى : أن الله يقص عليك من أنباء الرسل ما فيه مثل لك ولقومك وما يثبت به فؤادك .

وفي ذلك انتقال لنوع آخر من الإعجاز وهو الإخبار عن المغيبات وهو ما عددناه في الجهة الرابعة من جهات إعجاز القرآن في المقدمة العاشرة من المقدمات .

[ ص: 225 ] وجملة ( قال موسى لأهله ) إلى آخرها تمهيد لجملة فلما جاءها نودي أن بورك من في النار إلخ . وزمان قول موسى لأهله هذه المقالة وهو وقت اجتلابه للمبادرة بالوحي إليه . فهذه القصة مثل ضربه الله لحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه ، ابتدئت بما تقدم رسالة موسى من الأحوال إدماجا للقصة في الموعظة .

والأهل : مراد به زوجه ، ولم يكن معه إلا زوجه وابنان صغيران . والمخاطب بالقول زوجه ، ويكنى عن الزوجة بالأهل . وفي الحديث والله ما علمت على أهلي إلا خيرا .

ولم تظهر النار إلا لموسى دون غيره من أهله ; لأنها لم تكن نارا معتادة لكنها من أنوار عالم الملكوت جلاه الله لموسى فلا يراه غيره . ويؤيد هذا تأكيده الخبر ب ( إن ) المشير إلى أن زوجه ترددت في ظهور نار ; لأنها لم ترها .

والإيناس : الإحساس والشعور بأمر خفي ، فيكون في المرئيات وفي الأصوات كما قال الحارث بن حلزة :


آنست نبأة وأفزعها الـقـنـ اص عصرا وقد دنا الإمساء



والمراد بالخبر خبر المكان الذي تلوح منه النار . ولعله ظن أن هنالك بيتا يرجو استضافتهم إياه وأهله تلك الليلة ، وإن لم يكن أهل النار أهل بيت يستضيفون بأن كانوا رجالا مقوين يأت منهم بجمرة نار ليوقد أهله نارا من حطب الطريق للتدفؤ بها .

والشهاب : الجمر المشتعل . والقبس : جمرة أو شعلة نار تقبس ، أي : يؤخذ اشتعالها من نار أخرى ليشعل بها حطب أو ذبالة نار أو غيرهما .

وقرأ الجمهور بإضافة ( شهاب ) إلى ( قبس ) إضافة العام إلى الخاص مثل : خاتم حديد . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بتنوين ( شهاب ) ، فيكون ( قبس ) بدلا من ( شهاب ) أو نعتا له . وتقدم في أول سورة طه .

والاصطلاء : افتعال من الصلي وهو الشي بالنار . ودلت صيغة الافتعال أنه محاولة الصلي فصار بمعنى التدفؤ بوهج النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية