الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الباب الثالث

                          في النبوة والرسالة وفيه فصلان

                          ( الفصل الأول : في الرسالة العامة والرسل الأولين وفيه سبع مسائل )

                          ( 1 ) في الآية الثانية من السورة إثبات وحي الرسالة ، وأن الرسل رجال من الناس ، وأن وظيفتهم الإنذار والتبشير ، وأن الكفار كانوا ينكرون أن يكون البشر رسلا لله تعالى ، وكانوا يسمون آيات الرسول إليهم سحرا ويسمونه ساحرا .

                          ( 2 ) في الآية 13 أن الله تعالى أهلك القرون ( الأمم ) القديمة لما ظلموا أنفسهم بالشرك والإجرام ، وجاءتهم رسلهم بالبينات الدالة على صدقهم في التبليغ عن الله تعالى ولم يؤمنوا فجزاهم بإجرامهم .

                          ( 3 ) في الآية 49 أن الرسول لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فضلا عن غيره ، لأن هذا لله وحده ، والرسل فيه كغيرهم كما ترى في آيات توحيده .

                          ( 4 ) في الآية 47 أن الله تعالى جعل لكل أمة رسولا ، فليست الرسالة خاصة ببني إسرائيل كما يدعون ، ولا بهم وبالعرب كما توهم آخرون ، والشبهة على هذه الكلية أن [ ص: 410 ] أكثر أمم الأرض وثنية وتواريخها عريقة في ذلك ، كقدماء المصريين والكلدانيين والأشوريين والفرس والهند والصين وشعوب الإفرنج القديمة وكذا قدماء أمريكة . وجوابها أن جميع هذه الأمم لها أديان قائمة على الأركان الثلاثة التي بعث بها جميع الرسل الأولين ، وهي الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والعمل الصالح ، وقد طرأت على كل منها التقاليد الوثنية طروءا كما بيناه في مباحث الوحي ، وشواهد ذلك ظاهرة في آخر هذه الأمم حتى المسلمين .

                          ( 5 ) في هذه الآية أيضا أن كل رسول عانده قومه قضى الله بينه وبينهم بالقسط ، والآيات التي بعدها في تكذيب قوم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، وستذكر في الفصل الثاني .

                          ( 6 ) من الشواهد على هذا قصة نوح مع قومه في خلاصة دعوته لهم وإصرارهم على تكذيبه ، وإهلاك الله إياهم بالغرق ، وإنجاء نوح ومن آمن معه في الفلك ، وجعلهم خلائف في الأرض ، وهي في ثلاث آيات 71 - 73 ويليها آية واحدة في الرسل الذين بعثوا بعده إجمالا ، ويليها قصة موسى وفرعون وملئه ، وغايتها أنه تعالى أهلك فرعون ومن أتبع بني إسرائيل معه بالغرق ، وأنجى موسى وبني إسرائيل وجعلهم خلائف في الأرض المقدسة إلى حين ، وهي في الآيات 75 - 93 وسنبين ما في هاتين القصتين من الفوائد والعبر في قصص الرسل من تفسير سورة هود ( عليه السلام ) .

                          ( 7 ) في الآية 98 العبرة لأهل مكة بقوم يونس ، بأنهم استحقوا عذاب الخزي والاستئصال بعنادهم لمحمد رسول الله وخاتم النبيين كما استحقه قوم يونس ، وأنهم إذا آمنوا قبل وقوع هذا العذاب ينفعهم إيمانهم كما نفع قوم يونس عليهما السلام .

                          ( الفصل الثاني : في رسالة محمد نبينا - صلى الله عليه وسلم - )

                          وسيرته مع قومه وعاصمة بلاده ، ونجعل آياته في أحد عشر نوعا

                          ( 1 ) في الآية الثانية أن الكافرين أنكروا دعوة نبوته ، وعجبوا منها أن كان رجلا منهم يوحى إليه ، وسموا آيته سحرا ونبزوه بلقب ساحر مبين ، كما تقدم في الكلام على الوحي وعلى الرسالة العامة في أول الفصل الأول ، والآية نزلت فيه - صلى الله عليه وسلم - وشبهة السحر لا تخيل ( أي لا تشتبه ؛ من أخال الأمر إذا أشكل واشتبه ) في القرآن كالآيات الكونية ، وإنما قالوه تكلفا وعنادا .

                          ( 2 ) في الآية 15 أنهم اقترحوا عليه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن الذي أعجزهم أمره أو أن يبدله ، وفي الآية 16 الرد عليهم بما تقدم مفصلا ، ويليها تأييد الرد .

                          ( 3 ) في الآية 20 اقتراحهم عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بآية كونية وجوابه لهم : وفي الآيتين 96 ، 97 أن الذين حقت عليهم كلمة الله بفقدهم الاستعداد للإيمان لا يؤمنون ولو جاءهم كل آية كونية مما اقترحوا ومما لم يقترحوا .

                          [ ص: 411 ] ( 4 ) في الآية 37 بيان أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون مفترى من دون الله ; إذ لا يقدر على مثله أحد من خلق الله ، وأنه تصديق لما تقدمه من دعوة الرسل ، وتفصيل لما أجمل فيما قبله من الكتب ، فهو من رب العالمين لا ريب فيه ; لأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - ما كان يدري شيئا مما نزل فيه .

                          ( 5 ) في الآية 38 تحدي المشركين الذين قالوا افتراه ، وهو مطالبتهم بالإتيان بسورة مثله ، واستعانتهم على ذلك بمن يستطيعون استعانتهم من دون الله تعالى .

                          ( 6 ) في الآية 39 الإضراب عن التكذيب المطلق إلى التكذيب بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ، وهو ما وعدهم به من العذاب بقسميه الدنيوي والأخروي .

                          ( 7 ) في الآيات 40 - 45 أن من أولئك المشركين من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به ، ومناقشة المكذبين ، ووصف حال من فقدوا الاستعداد للإيمان بحيث لا يعقلون الدلائل السمعية ولا البصرية ، وإبهام أمر ما وعدوا به من العذاب هل يقع في حياته - صلى الله عليه وسلم - أو بعد وفاته ، وحكمة هذا الإبهام له واستعجالهم به ، وكونهم يؤمنون به عند وقوعه فلا ينفعهم إيمانهم يومئذ - وسؤالهم : أحق هو ؟ وجوابهم بالقسم : ( إنه لحق ) لأن وعد الله كله حق ، وفي تفسيرنا له بيان قلة الكذب في العرب ، واحترام القسم بالله تعالى ، واشتهار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصدق والأمانة فيهم من صغره .

                          ( 8 ) بعد أن أيد الله دعوته - صلى الله عليه وسلم - بقصتي نوح وموسى بالإيجاز مفصلة ، وذكر من بينهما بالإشارة المجملة ، أخبره أن الذين يقرءون الكتاب من قبله عندهم علم من ذلك ، فلو أنه كان في شك منه وسألهم لأجابوا : إنه الحق من ربه ، وهذا تأكيد لكونه لا موضع للامتراء به .

                          ( 9 ) كان - صلى الله عليه وسلم - يحزنه تكذيب قومه له وكفرهم بما جاء به ، فنهاه الله عن ذلك في الآية 65 وكان يتمنى إيمانهم كلهم فجاءه في الآيات 96 - 101 بيان سنة الله في اختلاف استعداد الناس للإيمان والكفر ، وأنه لو شاء لجعلهم كلهم مؤمنين ، ولكانوا غير هذا النوع من خلق الله ، ولكنه لم يشأ ، وإذن لا يقدر الرسول ولا غيره على إكراههم على الإيمان ، وأن الآيات لا تنفع إلا المستعدين للإيمان والصلاح ، وأن النجاة لرسل الله ومن آمن بهم بمقتضى سنته تعالى في خلقه .

                          ( 10 ) ختم السورة من الآية 104 - 109 بتجديد الدعوة إلى تجريد التوحيد والعبودية المحض ، وكون الحق قد تبين ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فعليها ، وإنما الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغ لا وكيل لله متصرف في أمر عباده ، فعليه أن ينتظر حكمه وهو خير الحاكمين .

                          [ ص: 412 ] ( 11 ) إعلامه تعالى هذه الأمة في الآية 14 بأنه جعلهم خلائف في الأرض كلها بعد إهلاك أكثر القرون الأولى من أقوام الأنبياء المعاندين لرسلهم ، وتحريف آخرين لأديانهم ، ونسخه تعالى لما بقي منها ببعثة خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه يختبرهم بهذه الخلافة فيجزيهم بما يعملون فيها ، وأخرنا هذا لأنه ثمرة إجابة الدعوة في الدنيا كما وعدهم وأنجز وعده لهم بشرطه في الآية ( 24 : 55 ) من سورة النور .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية