الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1732 [ ص: 401 ] حديث رابع عشرين لعبد الله بن أبي بكر , مقطوع يتصل من وجوه صحاح

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاتل الله اليهود نهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه .

التالي السابق


وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا متصلا من وجوه شتى كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وجابر ، وغيرهم .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني طاوس أنه سمع ابن عباس ، يقول : بلغ عمر بن الخطاب أن سمرة باع خمرا ، فقال : قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها .

[ ص: 402 ] قال أبو عمر : قوله : جملوها ، يعني أذابوها ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، وقد جاء أيضا مفسرا في الحديث .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا مضر بن محمد ، حدثنا مسلم بن سلام الكوفي ، حدثنا أبو بكر ، يعني ابن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم شحوم الأنعام فأذابوها ، ثم باعوها وأكلوا أثمانها .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا مسدد بن مسرهد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاهم المعنى ، عن خالد الحذاء ، عن بركة أبي الوليد ، عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن ، قال : فرفع بصره إلى السماء فضحك ، ثم قال : لعن الله اليهود - ثلاثا ، قال - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ولم يقل : عن خالد بن عبد الله رأيت ، وقال : قاتل الله .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا يحيى بن أيوب ، أخبرنا هشيم [ ص: 403 ] أخبرنا خالد ، عن بركة أبي العريان المحاربي ، قال : سمعت ابن عباس يحدث ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه قال أحمد بن زهير : كذا قال ، عن بركة أبي العريان وسمعت أبي يقول : وأبو العريان الذي يحدث عنه خالد اسمه أنيس .

وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها .

قال أبو عمر : قد فسر ابن عباس رضي الله عنه في حديثه معنى هذا الحديث ، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم ثمنه وفي هذا رد على من ذهب إلى إجازة بيع الزيت الذي تقع فيه الميتة مع امتناعه من أكله ، وإقراره بنجاسته ، وقد دفع هذا التأويل بعض من أجاز ذلك بأن قال : هذا الحديث وما كان مثله إنما خرج على ما قد حرم بذاته مثل الخمر وشحوم الميتة . وأما [ ص: 404 ] الزيت الذي تموت فيه الفأرة ، فإنما تنجس بالمجاورة ، وليس بنجس الذات ، ولو كان نجس الذات ما جاز الانتفاع به ، ولا استعماله في شيء كما لا يجوز استعمال الخمر ، ولا الخنزير ، ولا الميتة في شيء ، وقد ذكرنا هذه المسألة مجودة في باب ابن شهاب ، عن عبيد الله من كتابنا هذا ، والحمد لله .

وفي هذا الحديث إباحة الدعاء على اليهود ، وإباحة لعنهم اقتداء به في ذلك صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر الحافظ ، قال : تفرد حبيب ، عن مالك ، عن محمد بن عمرو ، عن خالد بن عبد الله بن حرملة ، عن الحارث بن خفاف بن إيماء ، قال : ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رفع رأسه ، فقال : غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله ، وعصية عصت الله ورسوله ، اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان قال خفاف : فجعل لعن الكفار من أجل ذلك ، وتفرد به حبيب عن مالك ، وهو صحيح لمحمد بن عمرو ، وقد ثبت عن ابن مسعود أنه لما لعن الواصلة ، والمستوصلة . . . الحديث - أنكرت ذلك عليه امرأة ، فقال ابن مسعود : ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لعنه في كتاب الله ، وقد ذكرنا هذا الخبر فيما مضى من [ ص: 405 ] هذا الكتاب ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، وموكله ، واليهود ، وغيرهم ، ومحال أن تكون لعنته لهؤلاء رحمة عليهم ، فمن لعن من يستحق أن يلعن فمباح ، ومن لعن من لا يستحق اللعن فقد أثم ، ومن ترك اللعن عند الغضب ، ولم يلعن مسلما ، ولم يسبه فذلك من عزم الأمور .

أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن نافع ، قال : لم أسمع عبد الله بن عمر يلعن خادما قط غير مرة واحدة غضب فيها على بعض خدمه ، فقال : لعنة الله عليك ، كلمة لم أحب أن أقولها ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المختفي ، يعني نباش القبور ، ولعن الخمر وشاربها . . . . الحديث .

وقد ذكر مالك ، عن داود بن الحصين أنه سمع عبد الرحمن الأعرج يقول : ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان .

[ ص: 406 ] قرأت على سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير ، حدثنا سفيان ، حدثنا مسعر ، أخبرنا عبد الملك بن عمير ، أخبرني فلان ، عن ابن عباس ، قال : رأيت عمر ، يقول بيده ، وهو على المنبر هكذا ، يعني يحركها يمينا وشمالا : عويمل لنا بالعراق ، عويمل لنا بالعراق خلط في فيء المسلمين أثمان الخنازير ، والخمر ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ، قال سفيان : جملوها ، يعني أذابوها .




الخدمات العلمية