الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1684 [ ص: 19 ] حديث رابع لأبي الزناد

مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا .

التالي السابق


قال أبو عمر : احتج قوم من الشافعية بهذا الحديث ومثله في إبطال الذرائع في البيوع ، فقالوا : قال الله عز وجل ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث وقال : إن الله حرم من المؤمن دمه ، وعرضه ، وماله ، وأن لا يظن به إلا الخير وقال صلى الله عليه وسلم إذا ظننتم فلا تحققوا قالوا : وأحكام الله عز وجل على [ ص: 20 ] الحقائق لا على الظنون ، فأبطلوا القول بالذرائع في الأحكام من البيوع وغيرها ، فقالوا : غير جائز أن يقال إنما أردت بهذا البيع كذا بخلاف ظاهره ، وصار هذا كأنه كذا ، ويدخله كذا ، لما ينكر فاعله أنه أراده ، وللقول عليهم موضع غير هذا من جهة النظر ، روى أشهب ، عن نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب قال : لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن صالح بن عمر ، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد المنادي ، أخبرنا ابن سيف ، عن السري بن يحيى ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : سمعت سفيان يقول : الظن ظنان : ظن فيه إثم ، وظن ليس فيه إثم ، فأما الظن الذي فيه إثم ، فالذي يتكلم به ، وأما الذي ليس فيه إثم فالذي لا يتكلم به ، ومن حجة من ذهب إلى القول بالذرائع - وهم أصحاب الرأي من الكوفيين ، ومالك وأصحابه من المدنيين - من جهة الأثر حديث عائشة في قصة زيد بن أرقم ، وهو حديث يدور على امرأة مجهولة ، وليس عند أهل الحديث [ ص: 21 ] بحجة ، وأما قوله في هذا الحديث " ولا تجسسوا ولا تحسسوا " فهما لفظتان معناهما واحد وهو البحث والتطلب لمعايب الناس ومساويهم ، إذا غابت واستترت لم يحل لأحد أن يسأل عنها ، ولا يكشف عن خبرها ، قال ابن وهب : ومنه لا يلي أحدكم استماع ما يقول فيه أخوه ، وأصل هذه اللفظة في اللغة من قولك : حس الثوب أي أدركه بحسه وجسه ، من المحسة والمجسة ، وذلك حرام كالغيبة أو أشد من الغيبة ، قال الله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ) فالقرآن والسنة وردا جميعا بأحكام هذا المعنى ، وهو قد استسهل في زماننا فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بنا .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا محمد بن المثنى ، وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش [ ص: 22 ] عن زيد - يعني ابن وهب - قال : أتي ابن مسعود ، فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا ، فقال عبد الله : إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .

وروى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( ولا تجسسوا ) قال : خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله .

وأما قوله : ولا تنافسوا ، فالمراد به التنافس في الدنيا ، ومعناه طلب الظهور فيها على أصحابها ، والتكبر عليهم ، ومنافستهم في رياستهم ، والبغي عليهم ، وحسدهم على ما آتاهم الله منها ، وأما التنافس والحسد على الخير وطرق البر فليس من هذا في شيء ، وكذلك من سأل عما غاب عنه من علم وخير فليس بمتجسس ، فقف على ما فسرت لك ، وقد مضى في باب ابن شهاب عن أنس من هذا الكتاب في معنى التحاسد ، والتدابر ، والتباغض ما فيه كفاية ، فلا معنى لإعادة ذلك ههنا ، ومعنى قوله " لا تدابروا ، ولا تباغضوا ، ولا تقاطعوا " معنى متداخل كله متقارب ، والقصد فيه إلى الندب على [ ص: 23 ] التحاب ، ودفع ما نفى ذلك ; لأنك إذا أحببت أحدا وأصفيته الود لم تعرض عنه بوجهك ، ولم توله دبرك ; بل تقبل عليه ، وتواجهه ، وتلقاه بالبشر ، ومن أبغضته وليته دبرك ، وأعرضت عنه ، وقد فسرنا هذه المعاني في مواضع سلفت من كتابنا هذا ، والحمد لله .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عيسى بن محمد ، وابن عوف ، وهذا لفظه ، قالا : حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن ثور ، عن راشد بن سعد ، عن معاوية ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم .

قال أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها .

قال أبو عمر : وروى هذا الحديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن معاوية ، عن النبي عليه السلام مثله بمعناه .

[ ص: 24 ] حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء ، حدثنا عمرو بن الحارث ، حدثني عبد الله بن سالم ، عن الزبيدي ، قال : حدثني يحيى بن جابر ، أن عبد الرحمن بن جبير حدثه ، أن أباه حدثه أنه سمع معاوية بن أبي سفيان ، قال : إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما نفعني الله به سمعته يقول : أعرضوا عن الناس ، ألم تر أنك إذا اتبعت الريبة في الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم .

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن جبير بن نفير ، وكثير بن مرة ، وعمرو بن الأسود ، عن المقدام بن معدي كرب ، وأبي أمامة ، عن النبي عليه السلام ، قال : إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم .




الخدمات العلمية