الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1671 [ ص: 146 ] حديث سابع لابن شهاب عن عروة

مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين ( قط ) إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة لله فينتقم لله بها .

التالي السابق


في هذا الحديث دليل على أن المرء ينبغي له ترك ما عسر عليه من أمور الدنيا ، والآخرة ، وترك الإلحاح فيه إذا لم يضطر إليه ، والميل إلى اليسر أبدا ، فإن اليسر في الأمور كلها أحب إلى الله ، وإلى رسوله قال تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، وفي معنى هذا الأخذ برخص الله تعالى ورخص رسوله صلى الله عليه وسلم والأخذ برخص العلماء ما لم يكن القول خطأ بينا ، وقد تقدم من [ ص: 147 ] القول في هذا المعنى في باب الفطر في السفر في حديث حميد الطويل ، وفي باب القبلة للصائم في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ما فيه كفاية روينا عن محمد بن يحيى بن سلام عن أبيه قال : ينبغي للعالم أن يحمل الناس على الرخصة ، والسعة ما لم يخف المأثم ، وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا سعيد بن أحمد بن عبد ربه وأحمد بن مطرف قالا : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر قال : إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل واحد .

وفي هذا الحديث دليل على أن على العالم أن يتجافى عن الانتقام لنفسه ، ويعفو ، ويأخذ بالفضل إن أحب أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم ( ، وإن لم يطق كلا فبعضا ، وكذلك السلطان قال الله عز [ ص: 148 ] وجل لنبيه ) : وإنك لعلى خلق عظيم قال المفسرون : كان خلقه ما قال الله خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وعلى العالم أن يغضب عند المنكر ، ويغيره ، إذا لم يكن لنفسه ، وفي معنى هذا الحديث أن لا يقضي الإنسان لنفسه ، ولا يحكم لها ولا لمن في ولايته ، وهذا ما لا خلاف فيه ، والله أعلم .

وهذا الحديث مما رواه منصور عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا عبد الملك بن بحر قال : حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا العباس بن الوليد قال : حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن محمد بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من ظلامة ظلمها قط إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك ، وما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا الفضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن ابن شهاب عن [ ص: 149 ] عروة عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم قال : حدثنا دحيم الدمشقي قال : حدثنا مؤمل عن سفيان الثوري عن منصور عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتصر لنفسه من مظلمة ظلمها إلا أن تنتهك محارم الله فيكون لله ينتصر ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما .

وأما رواية ابن إسحاق فحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا مضر بن محمد قال : حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب قال : حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين ( قط ) إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراما ، فإن كان حراما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء يصاب به إلا أن تصاب حرمة الله فينتقم لله ( بها )




الخدمات العلمية