الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5037 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة ؟ قال : قلنا : بلى . قال : " إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة " . رواه أبو داود ، والترمذي وقال : هذا حديث صحيح " .

التالي السابق


5037 - ( وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بأفضل ) أي : بعمل أفضل درجة وأكثر مثوبة . ( من درجة الصيام ) أي : نفلا بقرينة قوله : ( والصدقة ) : فإنها للمندوبة غالبا ( والصلاة ) . لعل تأخيرها للترقي ، وظاهر الواو أنه للجمع ، فالمعنى أنه أفضل من فعل مجموعها ، ويحتمل أن يكون بمعنى " أو " فالمعنى أنه أفضل من كل منها ، والأول أبلغ في مقام الترغيب كما لا يخفى . قال الأشراف : المراد بهذه المذكورات النوافل دون الفرائض . قلت : والله أعلم بالمراد إذ قد يتصور أن يكون الإصلاح في فساد يتضرع عليه سفك الدماء ، ونهب الأموال ، وهتك الحرم أفضل من فرائض هذه العبادات القاصرة مع إمكان قضائها على فرض تركها فهي من حقوق الله التي هي أهون عنده سبحانه من حقوق العباد ، فإذا كان كذلك ، فيصح أن يقال هذا الجنس من العمل أفضل من هذا الجنس ، لكون بعض أفراده أفضل كالبشر خير من الملك والرجل خير من المرأة . ( قال ) أي : أبو الدرداء ( قلنا : بلى ) أي أخبرنا وفي نسخة زيادة : يا رسول الله ( قال : إصلاح ذات البين ) ، [ ص: 3154 ] أي : هو هذا قيل يريد بذات الخصلة التي تكون بين القوم من قرابة ومودة ونحوهما . وقيل : المراد بذات البين المخاصمة والمهاجرة بين اثنين بحيث يحصل بينهما بين أي : فرقة ، والبين : من الأضداد الوصل والفرق . وقال الطيبي : إصلاح ذات البين أي أحوال بينكم ، يعني ما بينكم من الأحوال ألفة ومحبة واتفاق كقوله تعالى : والله عليم بذات الصدور وهي مضمراتها . ولما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها : ذات البين كقولهم : اسقني ذا إنائك يريدون ما في الإناء من الشراب ، كذا في الكشاف في قوله تعالى : وأصلحوا ذات بينكم اهـ .

ولما كان الكلام السابق في قوة صلاح ذات البين هي الخصلة الصادقة قال : ( وفساد ذات البين هي الحالقة ) أي : الماحية والمزيلة للمثوبات والخيرات ، والمعنى يمنعه شؤم هذا الفعل عن تحصيل الطاعات والعبادات ، وقيل : المهلكة من حلق بعضهم بعضا أي : قتل مأخوذ من حلق الشعر ، وفي النهاية هي الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي : تهلك ، وتستأصل الدين كما يستأصل الموس الشعر ، وقيل : هي قطيعة الرحم والتظالم . وقال الطيبي : فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها ; لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله ، وعدم التفرق بين المسلمين ، وفساد ذات البين ثلمة في الدين ، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه ، فعلى هذا ينبغي أن يحمل الصلاة والصيام على الإطلاق ، والحالقة على ما يحتاج إليه أمر الدين . ( رواه أبو داود ، والترمذي ) . وكذا الإمام أحمد . ( وقال ) : أي الترمذي ( هذا حديث صحيح ) . قال ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين " اهـ .

وفي الباب أحاديث كثيرة : منها ، ما نقله ميرك عن المنذري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عمل شيء أفضل من الصلاة وإصلاح ذات البين " . رواه الأصبهاني . وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين " . رواه الطبراني والبزار وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، وحديثه هذا حسن لحديث أبي داود والترمذي ، عن أبي الدرداء . وعن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا أيوب ! ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها ؟ " قلت : بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي . قال : " تصلح بين الناس ; فإنها صدقة يحب الله موضعها " . رواه الأصبهاني . وفي رواية له والطبراني أيضا : " ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله ؟ تصلح بين الناس إذا تغاضبوا وتفاسدوا " . وفي رواية للطبراني ، والبزار : " ألا أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله ؟ " قال : " من أصلح بين الناس أصلح الله أمره ، وأعطاه بكل كلمة تكلم بها عتق رقبة ، ورجع مغفورا له ما تقدم من ذنبه " . رواه الأصبهاني . وهو حديث غريب جدا .




الخدمات العلمية