الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5125 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر بالحجر قال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين ، أن يصيبكم ما أصابهم " ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى اجتاز الوادي . متفق عليه .

التالي السابق


5125 - ( وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مر ) أي : أراد المرور ( بالحجر ) بكسر الحاء أي : ديار ثمود قوم صالح ( قال : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ) أي : بالكفر ( إلا أن تكونوا باكين ، أن يصيبكم ) أي : لئلا يصيبكم أو مخافة أن يصيبكم ( ما أصابهم ) أي : نوع من العذاب أي : مثل ما أصابهم من العقاب ، إذ لا يخلو أحد منكم من الذنوب إذا شدد عليه الحساب ، ويمكن أن يكون المراد أن يصيب منافقيكم عين ما أصابهم فعمم الحكم بالتخويف تسترا عليهم ، ( ثم قنع رأسه ) : بتشديد النون مبالغة من الإقناع أي : أطرق رأسه ، ولم يلتفت يمينا وشمالا كالخائف لئلا يقع نظره على مساكنهم ، أو جعل قناعه على رأسه شبه الطيلسان . ( وأسرع السير حتى اجتاز الوادي ) أي : تجاوزه أي : قطع عرضه وخرج عن حده ، وإنما فعل ذلك تعليما للأمة ليقتدوا به ، وجمع بين القول والفعل تأكيدا في القضية ، أو لأنه عليه الصلاة والسلام كان في غاية من الخشية لأنها إنما تكون على قدر المعرفة قال تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء وقد قال : " أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له " هذا مجمل معنى الحديث وأما تفصيله ، فقال التوربشتي : الحجر منازل ثمود ، وذلك في سيره إلى تبوك خشي على أصحابه أن يجتازوا على تلك الديار ساهين غير متعظين بما أصاب أهل تلك الديار ، وقد أمرهم الله تعالى بالانتباه والاعتبار في مثل تلك المواطن . قال القاضي : ولذلك استثنى عن النهي وأن يصيبكم نصب على المفعول له أي : مخافة أن يصيبكم . قال الطيبي : والمعنى لا تدخلوا مساكنهم في حال من الأحوال إلا حال كونكم باكين . قال الخطابي : معناه الداخل في دار قوم أهلكوا بخسف أو عذاب إذا لم يكن باكيا إما شفقة عليهم وإما خوفا من حلول مثلها به كان قاسي القلب قليل الخشوع فلا يأمن إذا كان هكذا أن يصيبه ما أصابهم اهـ .

[ ص: 3201 ] وما أصاب في قوله إما شفقة عليهم لقوله تعالى : ( ولا تحزن عليهم ) وقوله عز وجل : ( فلا تأس على القوم الفاسقين ) قال التوربشتي : وفي الحديث أنه نهاهم أن يشربوا ماءها وكانوا قد خمروا به عجينهم ، فأمرهم أن يعلفوها دوابهم ولم يرخص لهم في الأكل منها . وفي شرح السنة : فيه دليل على أن منازل هؤلاء لا تتخذ سكنا ووطنا لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن دخولها إلا مع البكاء ، فالمتوطن يكون دهره باكيا . قلت : ويلائمه ظاهر قوله تعالى تقريعا وتوبيخا وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم ، وفيه تنبيه نبيه على أن الأماكن لها تأثير من عند الله تعالى بالنسبة إلى سكانها محنة ومنحة كما في الأزمنة من موسم الطاعات وساعات الإجابة ، ومنه ما روي : أن لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ، وقد تقدم أن أحب البلاد إلى الله المساجد ، وأبغضها الأسواق ، ونظير ذلك تأثير صحبة الأخيار والأشرار على ما ورد به الأخبار وأثار الأبرار . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية