الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5175 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا ، أو فقرا منسيا ، أو مرضا مفسدا ، أو هرما مفسدا ، أو موتا مجهزا ، أو الدجال ، فالدجال شر غائب ينتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر " رواه الترمذي والنسائي .

التالي السابق


5175 - ( وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( " ما ينتظر أحدكم " ) : خرج مخرج التوبيخ على تقصير المكلفين في أمر دينهم ، أي : متى تعبدون ربكم فإنكم إن لم تعبدوه مع قلة الشواغل وقوة البدن ، كيف تعبدونه مع كثرة الشواغل وضعف القوى ؟ لعل أحدكم ما ينتظر ( " إلا غنى مطغيا " ) أي : جاعلك طاغيا عاصيا مجاوزا للحد ( " أو فقرا منسيا " ) : من باب الإفعال ، ويجوز أن يكون من باب التفعيل ولكن الأول أولى لمشاكلة الأولى أي : جاعلا صاحبه مدهوشا ينسيه الطاعة من الجوع والعري والتردد في طلب القوت . ( " أو مرضا مفسدا " ) أي : للبدن لشدته ، أو للدين لأجل الكسل الحاصل منه ( " أو هرما مفندا " ) : بالتخفيف أي : مبلغا صاحبه إلى الفند وهو ضعف الرأي : يقال : أفنده إذا جعل رأيه ضعيفا وقال شارح : يقال فند الرجل إذا كثر كلامه من الخرف ، وأفنده الكبر يقف الذي لا يدري ما يقول من غاية كبره اه .

والأظهر أن التفنيد للنسبة إلى الخرف ، ومنه قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه الصلاة والسلام : إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون قال البيضاوي رحمه الله أي : تنسبوني إلى الفند ، وهو نقصان عقل يحدث من هرم ، وفي القاموس الفند : بالتحريك الخرف وإنكار العقل لهرم أو مرض ، والخطأ في القول والرأي والكذب كالإفناد ، وفنده تفنيدا كذبه وعجزه وخطأ رأيه كأفنده ، ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا اه .

وكذا قال البيضاوي رحمه الله معللا يكون نقصان عقلها ذاتيا . أقول : ولا شك أن نقصان عقلها إضافي . ومع هذا لا ينافي صحة إطلاقه عليها لنقصان عرضي ، هذا وفي النهاية : الفند في الأصل الكذب ، وأفند تكلم بالفند ، وفي الفائق قالوا للشيخ إذا هرم : قد أفند لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة ، فشبه بالكاذب في تحريفه ، والهرم المفند من أخوات قولهم : نهاره صائم جعل الفند للهرم وهو للهرم ، ويقال أيضا أفنده الهرم ، [ ص: 3240 ] وفي كتاب العين : شيخ مفند يعني منسوب إلى الفند ، ولا يقال امرأة مفندة ; لأنها لا تكون في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبريتها . قال التوربشتي رحمه الله ، قوله : مفند الرواية فيه بالتخفيف ، ومن شدده فليس بمصيب . ( " أو موتا مجهزا " ) بالتخفيف أي : قاتلا بغتة من غير أن يقدر على توبة ووصية ففي النهاية المجهز هو السريع ، يقال : أجهز على الجريح إذا أسرع قتله . قال القاضي رحمه الله : الموت المجهز المسرع يريد به الفجاءة ونحوها مما لم يكن بسبب مرض أو كبر سن كقتل وغرق وهدم . ( أو الدجال ، فالدجال " ) : وفي نسخة : والدجال ( " شر غالب ينتظر " ) أي : أسوأه ( " أو الساعة " ) أي : القيامة ( والساعة أدهى " ) أي : أشد الدواهي وأفظعها وأصعبها ( " وأمر " ) أي : أكثر مرارة من جميع ما يكابده الإنسان في الدنيا من الشدائد لمن غفل عن أمرها ، ولم يعد لها قبل حلولها . قال الطيبي رحمه الله تعالى : الفاء في قوله : فالدجال تفسيرية لأنه فسر ما أبهم مما سبق ، والواو في الساعة نائبة مناب الفاء الملابسة للعطف . قلت : والظاهر أن الواو للحال والله تعالى أعلم ، وحاصل مجمل الحديث أنه استبطاء لمن تفرغ الأمر وهو لا يغتنم الفرصة فيه ، فالمعنى أن الرجل في الدنيا ينتظر إحدى الحالات المذكورة . فالسعيد من انتهز الفرصة واغتنم المكنة واشتغل بأداء مفترضه ومسنونه قبل حلول رمسه ، وهذه موعظة بليغة وتذكرة بالغة . ( رواه الترمذي والنسائي ) .




الخدمات العلمية