الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

5953 - عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنه - خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم ، وادعت أنه أخذ شيئا من أرضها ، فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! قال : ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين ) فقال له مروان : لا أسألك بينة بعد هذا . فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها ، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت . متفق عليه .

وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه ، وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر ، تقول : أصابتني دعوة سعيد ، وأنها مرت على بئر في الدار التي خاصمته فيها ، فوقعت فيها ، فكانت قبرها .

التالي السابق


الفصل الثالث

5953 - ( عن عروة بن الزبير ، أي : ابن العوام يكنى أبا عبد الله القرشي ، سمع أباه وأمه أسماء وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة ، روى عنه ابنه هشام والزهري وغيرهما ، ولد سنة اثنتين وعشرين وهو من كبار التابعين ، وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة ( أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ) ، بضم نون ففتح فاء وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة ( خاصمته أروى ) : بفتح الهمزة والواو مقصورا . قال صاحب جامع الأصول : لا أدري أكانت أروى صحابية أم تابعية ( بنت أوس ) : بفتح فسكون ، هكذا في نسخ المشكاة . قيل : وكذا في نسخ المصابيح ، وفي جامع الأصول : أويس بضم الهمزة وفتح الواو وياء ساكنة ، وفي أسماء الرجال للمؤلف في فصل الصحابة أوس بن أبي أوس ، ويقال : أوس بن أبي أوس الثقفي ، وهو والد عمرو بن أوس ، روى عنه أبو أشعث السمعاني وابنه عمر وغيرهما ، والحاصل أنها رافعته في الخصومة ( إلى مروان بن الحكم ) ، قال المؤلف : يكنى أبا عبد الملك القرشي الأموي جد عمر بن عبد العزيز ، أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف ، فلم يزل بها حتى ولي عثمان فرده إلى المدينة ، وروى عن نفر من الصحابة منهم : عثمان وعلي ، وعنه عروة بن الزبير وعلي بن الحسين . مات بدمشق سنة خمس وستين اهـ وكأنه كان واليا في المدينة ( وادعت ) ، أي : أروى ( أنه ) ، أي : سعيدا ( أخذ شيئا من أرضها ) ، أي . ظلما ( قال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا ! ) : فيه معنى الإنكار على نفسه المتضمن لإنكار غيره ، وقوله : ( بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ مقرر لجهة الإنكار ( قال ) ، أي : مروان ( ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ) ، أي : سعيد : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من أخذ شبرا ) ، أي : قدر شبر وأراد شيئا يسيرا ( من الأرض ) ، أي : أرض أحد ( ظلما ) ، أي : أخذ ظلم أو من جهة ظلم ( طوقه ) : بضم الطاء وكسر الواو المشددة ، أي : طوقه الله كما في نسخة ، أي : جعل ذلك الشبر منها طوقه ( إلى سبع أرضين ) : بفتح الراء ويسكن . قال النووي : بفتح الراء ، وإسكانها قليل . وفي الحديث تصريح بأن الأرض سبع طباق وهو موافق لقوله تعالى : سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ومن قال المراد بالسبع الأقاليم فقد وهم ; لأنه لو كان كذلك لم يطوق الظالم بشبر من كل إقليم بخلاف طباق الأرض ، فإنها تابعة لهذا الشبر . ( فقال له مروان : لا أسألك بينة ) : وفي نسخة ببينة أي : لا أطالبك بحجة ( بعد هذا ) . أي : بعد إيرادك هذا الحديث ، والمعنى أصدقك في باطن الأمر أنك غير ظالم ، أو لا أشك في نقلك الحديث ، ولا أحتاج لرواية أخرى ، فإنك بمنزلة راويين وأكثر . وقال الطيبي : وكأن سعيدا لما أنكر توجه عليها البينة وعند فقدها توجه إليه اليمين فأجرى مروان هذا الكلام منه مجرى اليمين وقال : لا أسألك بينة بعد هذا ، اه . ولا يخفى أن اعتبار مثل هذا غير شرعي في باب الدعوى ، فالصواب ما ذكره الكرماني من أن سعيدا ترك لها ما ادعته كما يشهد له نقل عروة .

( فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها ) : بفتح همز وكسر ميم أي : اجعل بصرها أعمى ( واقتلها في أرضها ) ، أي : التي ادعت فيها . وفي رواية : واجعل قبرها في دارها ، وكان سعيد مجاب الدعوة على ما في التهذيب . قال ) ، أي : عروة ( فما ماتت حتى ذهب بصرها ، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة ) ، أي : عميقة لما سيأتي من رواية في بئر ( فماتت . متفق عليه ) .

وفي رواية للبخاري ، عن ابن عمر مرفوعا : ( من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به إلى يوم القيامة إلى سبع أرضين ) . وفي رواية أحمد والطبراني عن يعلى بن مرة : ( من أخذ من الأرض شيئا ظلما جاء يوم القيامة يحمل ترابها إلى المحشر ) وفي رواية للطبراني والضياء عن الحكم بن الحارث : ( من أخذ من طريق المسلمين شيئا جاء يوم القيامة يحمله من سبع أرضين ) .

[ ص: 3842 ] ( وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه ) ، قال المؤلف : روى عن جده ، وابن عباس ، وعنه بنوه ، والأعمش وغيرهم ، ثقة . ( وأنه ) ، أي : محمدا المذكور ( رآها عمياء تلتمس الجدر ) ، بضمتين ، ويجوز إسكان الدال جمع جدار ، وفي نسخة بفتح فسكون ، ففي القاموس الجدر الحائط كالجدار جمع جدر وجدر وجدران ، والمعنى أنها تدور على الجدر وتمسكها ( تقول : أصابتني دعوة سعيد ، وأنها مرت على بئر ) ، أي : حفرة عميقة كما سبق ( في الدار التى خاصمته فيها ، فوقعت فيها ، فكانت ) ، أي : صارت ( قبرها ) . أي : حقيقة أو حكما .




الخدمات العلمية