الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1246 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا [ وقاربوا ] ، وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " . رواه البخاري

التالي السابق


1246 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدين " ) : وهو ما وضعه الله على عباده من الأحكام ( " يسر " ) ، أي : مبني على اليسر ، وقيل : ( يسر ) مصدر وضع موضع المفعول مبالغة ذكره الطيبي ، وقال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وقال عز وجل : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " . وأما حديث : عليكم بدين العجائز ، فلا أصل له على ما ذكره السخاوي ، ( " ولن يشاد الدين أحد " ) ، أي : ولن يقاومه أحد بشدة ، والمعنى أن من شدد على نفسه وتعمق في أمر الدين بما لم يجب عليه ، فلربما يغلبه ما تحمله من الكلفة ، فيضعف عن القيام بحق ما كلف به ، وهو معنى قوله : ( " إلا غلبه " ) ، أي : إلا غلب الدين عليه . والمشادة : التشدد على وجه المبالغة .

قال ابن حجر : ووضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تعظيمه والإنكار على من يشاده ، أي : لن يبالغ في تشديد الدين الميسور أحد يستقر على وصف من الأوصاف إلا على وصف كونه قد غلبه ذلك الدين حيث كثره مع يسره ، وقصد أن يغلب عليه بالزيادة فيه على ما شرع له تهورا ، ورهبانية ابتدعها ما كتبت عليه مع أن مآل أمره إلى أن يفتر ويعجز عنها ويعود ملوما مقصرا ، ومن ثم كان أشد إنكاره عليه الصلاة والسلام على قوم أرادوا التشديد على أنفسهم كما مر .

وكان عبد الله بن عمرو لما كبر وضعف عما كان أوصاه به - عليه السلام - من أعمال ذكر له عليه الصلاة والسلام معتدلها ، فأبى إلا مشقها : يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( " فسددوا " ) ، أي : الزموا طريق الاقتصار ، [ ص: 935 ] واطلبوا سبيل السداد من المنهج القويم والصراط المستقيم ، ( " وقاربوا " ) ، أي : الأمر بالسهولة ولا تباعدوه بالكلفة والصعوبة ، قال الطيبي : الفاء جواب شرط محذوف ، يعني : إذا بينت لكم ما في المشادة من الوهن فسددوا ، أي : اطلبوا السداد وهو القصد المستقيم الذي لا ميل فيه ، ( وقاربوا ) تأكيد للتسديد من حيث المعنى ، يقال : قارب فلان في أموره : إذا اقتصد ( " وأبشروا " ) ، أي : بالجنة والسلامة وبكل نعمة وكرامة ، فإن الله يعطي الجزيل على عمل القليل ، قال الكرماني : بقطع الهمزة ، وجاء في لغة : ابشروا بضم الشين من البشر بمعنى الإبشار . ( " واستعينوا " ) : على أمر العبادات من بين الأوقات ( " بالغدوة والروحة " ) : بالفتح وسكون الثانية فيهما ، وبضم الكلمة الأولى ، أي : بالسير في السلوك أول النهار وآخره ، وهما زمان الراحات والغفلات ، ( " وشيء " ) : وبشيء ولو قليل ( " من الدلجة " ) : بضم الدال وتفتح مع سكون اللام : آخر الليل ، وهو أفضل الساعات وأكمل الحالات ، قال الطيبي : الغدوة بالضم : ما بين صلاة الغدوة إلى طلوع الشمس ، وبالفتح المرة من الغدو ، وهو سير أول النهار نقيض الرواح ، والدلجة بالضم والفتح اسم من ادلج بالتشديد : إذا سار من آخر الليل استعيرت هذه الأوقات للصلاة فيها . اهـ .

وقيل : الدلجة من الإدلاج بسكونه ، وهو سير أول الليل ، فالمراد به إحياء ما بين العشاءين ، وهو صلاة الأوابين ، أو المعنى : استعينوا بالطاعة على تحصيل الجنة ، والمثوبة في الأوقات الثلاثة ، والاستراحة في غيرها حتى لا تكسلوا ولا تتعبوا ولا تملوا ولا تخلوا ، وقيل : استعينوا على قضاء حوائجكم ، واستنجاح مقاصدكم بالصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل . ( رواه البخاري ) : قال ميرك : ورواه النسائي ، وقال ابن حجر في حديث مرسل : إن هذا الدين متين فأوغل برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله ، فإن المنبت ، أي : المكلف دابته طاقتها لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى . اهـ . وفي النهاية : المنبت الذي انقطع به في سفره وعطبت راحلته ، والفعل انبت مطاوع بت من البت : القطع .




الخدمات العلمية