الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1308 - وعن علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كانت ليلة النصف من شعبان ، فقوموا ليلها ، وصوموا يومها ، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا ، فيقول : ألا من مستغفر فأغفر له ؟ ألا مسترزق فأرزقه ؟ ألا مبتلى فأعافيه ؟ ألا كذا ألا كذا ؟ حتى يطلع الفجر " . رواه ابن ماجه .

التالي السابق


1308 - ( وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كانت ليلة النصف من شعبان ، فقوموا ليلها ) : قال الطيبي : الظاهر أن يقال فقوموا فيها ، وإذا ذهب إلى وضع الظاهر موضع المضمر أن يقال ليلة النصف ، فأنث الضمير اعتبارا للنصف ; لأنها عين تلك الليلة اهـ . وقد يقال : لعل المراد أن يقع القيام في جميع ما يطلق عليه اسم الليل من أجزاء تلك الليلة ، وهو أبلغ من القيام فيها ، وحسنة أيضا مقابلة قوله : ( وصوموا يومها ) ، أي : في نهار تلك الليلة بكماله ، ويعاضد قوله : ( فإن الله تعالى ينزل ) ، أي : يتجلى بصفة الرحمة تجليا عاما لا يختص بأرباب الخصوص ، ولا بوقت دون وقت ( فيه ) ، أي : في تلك الليلة ( لغروب الشمس ) ، أي : أول وقت غروبها ( إلى السماء الدنيا ) : متعلق بينزل بتضمين ناظر ، انظر العناية إلى جهة السماء الدنيا التي هي مشتملة على أبواب فتوحات أرباب الدنيا ، وقبلة دعائهم ، ومصعد أعمالهم ، ومرتقى أرواحهم .

وقال ابن حجر : قوله ليلها يعني بعضها إذ بعض الليل يطلق عليه ليل ، ومنه الخبر السابق : كان يصلي ليلا طويلا قائما ، قلت : البعضية مستفادة من التنكير ، كما في قوله تعالى : ( ليلا من المسجد الحرام ) لا أن الليل يطلق ، ويراد به البعض خصوصا مع الإضافة ثم قال : أو جوفها ، وكأنه مأخوذ من قولهم : ليل الليل ، وفيه أن قولهم أريد به التأكيد ، كقوله تعالى : ( ظلا ظليلا ) ، والجوفية غير مستفادة منه ، ثم قال : وبهذا يستغنى عن قول الشارح اهـ .

وأنت عرفت أن هذا قول مستغنى عنه ( فيقول ) ، أي : تعالى ربنا أو مناديه حكاية عنه ( ألا ) : للتنبيه والعرض ( من ) : زائدة لتأكيد الاستغراق وحذفت مما بعده للاكتفاء ( من مستغفر ) : يستغفر ( فأغفر له ) : بالنصب على جواب العرض ، قاله الطيبي : ( ألا مسترزق ) : بالرفع ( فأرزقه ) : بالنصب ( ألا مبتلى ) ، أي : مستعف يطلب العافية وهو مقدر لظهوره ، ( فأعافيه ؟ ) : ولا يشكل وجود كثير من المبتلين يسألون العافية ولا يجابون ، لعدم استجماعهم لشروط الدعاء ( ألا كذا ) : من طالب عطاء فأعطيه ( ألا كذا ؟ ) : من دافع بلاء فأدفعه ( حتى يطلع الفجر " . رواه ابن ماجه ) .

وعن كثير من السلف ، كعمر بن الخطاب ، وابن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا يدعون بهذا الدعاء : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب ، وهذا الدعاء قد نقل في الحديث قراءته ليلة النصف من شعبان ، لكن الحديث ليس بقوي كذا في تفسير السيد معين الدين الصفوي ، ولعل المراد بالكتابة الأولى الكتابة المعلقة ; إذ الحكمة لا تتبدل ، واعلم أن المذكور في اللآلي : إن مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات في كل ركعة مع طول فضله للديلمي وغيره موضوع .

وفي بعض الرسائل ، قال علي بن إبراهيم : ومما أحدث في ليلة النصف من شعبان الصلاة الألفية مائة ركعة بالإخلاص عشرا عشرا بالجماعة ، واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد ، لم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع ، ولا تغتر بذكر صاحب القوت والإحياء وغيرهما ، وكان للعوام بهذه الصلاة افتتان عظيم ، حتى التزم بسببها كثرة الوقيد ، وترتب عليه من الفسوق وانتهاك المحارم ما يغني عن وصفه حتى خشي الأولياء من الخسف ، [ ص: 977 ] وهربوا فيها إلى البراري . وأول حدوث هذه الصلاة ببيت المقدس سنة ثمان وأربعين وأربعمائة قال : وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوهما شبكة لجمع العوام ، وطلبا لرياسة التقدم ، وتحصيل الحطام ، ثم إنه أقام الله أئمة الهدى في سعي إبطالها ، فتلاشى أمرها ، وتكامل إبطالها في البلاد المصرية والشامية في أوائل سني المائة الثامنة ، قلت : يجوز العمل بالخبر الضعيف ، وإنما أنكروه لما يقارنه من المنكرات ، قال تعالى : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) والعجب من ابن الصلاح أنه نازع ابن عبد السلام ، ومال إلى ندب تلك الصلاة المروية بعد موافقته له أولا أنها موضوعة لا يحل لأحد روايتها ولا ذكرها ، إلا مع بيان حالها ، قيل : وأول حدوث الوقيد من البرامكة كانوا عبدة النار ، فلما أسلموا أدخلوا في الإسلام ما يموهون أنه من سنن الدين ، ومقصودهم عبادة النيران ، حيث ركعوا وسجدوا مع المسلمين إلى تلك النيران ، ولم يأت في الشرع استحباب زيادة الوقيد على الحاجة في موضع ، وما يفعله عوام الحجاج من الوقيد بجبل عرفات وبالمشعر الحرام وبمنى ، فهو من هذا القبيل .

وقد أنكر الطرسوسي الاجتماع ليلة الختم في التراويح ونصب المنابر وبين أنه بدعة منكرة ، قلت : رحمه الله ما أفطنه ، وقد ابتلي به أهل الحرمين الشريفين ، حتى في ليالي الختم يحصل اجتماع من الرجال والنساء والصغار والعبيد ما لا يحصل في الجمعة والكسوف والعيد ، ويترتب عليه الفساد العديد ، ومنكرات الجديد ، ويستقبلون النار ، ويستدبرون بيت الله الملك الجبار ، ويقفون على هيئة عبدة النيران في نفس المطاف ، حتى يضيق على الطائفين المكان ويشوشون عليهم وعلى غيرهم من الذاكرين والمصلين وقراء القرآن في ذلك الزمان ، فنسأل الله العفو والعافية والغفران والرضوان ، والله المستعان .




الخدمات العلمية